رحلة أهل البيت إلى مصر واحدة من أكثر الرحلات التي تدعي للفخر، حيث شهدت مصر نورًا وبركة لم تشهدها من قبل، وذلك حينما هاجر إليها عدد كبير من آل بيت النبي، وذلك لكي يأمنوا فيها بعد تعرضهم للعديد من المضايقات والأذى الذي لا ينتهي، وعاشوا بها ودُفنت أجسادهم فيها، وسوف نتعرف على تفاصيل تلك الرحلات، من خلال الواقع العربي.
رحلة آل البيت إلى مصر
تحتوي محافظة القاهرة على عدد كبير من الأضرح والمقامات الشريفة وجميعها تؤول إلى أولياء الله الصالحين أو أهل البيت، كل تلك المقامات ما هي إلا نصب تذكاري يعطي للناس عظة، ويمكننا القول إن لفظ آل البيت يتم إطلاقه على كل الأشخاص من نسل فاطمة الزهراء بنت محمد وعلي بن أبي طالب، وهما الحسن والحسين وزينب.
عبر هؤلاء الأشخاص عن حبهم لمصر ورغبتهم في المكوث فيها، ومن الجدير بالذكر أن المصريين كانوا مُرحبين بذلك الأمر كثيرًا، حتى بعد أن توفاهم الله عز وجل حملت أسمائهم العديد من الأضرحة والمقامات الشريفة، وسوف تعرف على رحلة أهل البيت إلى مصر للشخصيات المختلفة كلًا منها على حدة، من خلال الفقرات التالية:
رحلة السيدة زينب لمصر
“يا بنت رسول الله، اذهبي إلى مصر، فإن فيها قمًا يحبونكم لله، ولقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم”
بهذه الجملة قام عبد الله بن عباس بتقديم نصيحة لأحد أفراد أهل البيت، وتتعلق تلك الرحلة بالسيدة زينب حفيدة الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
كما إنها ابنة الإمام علي بن أبي طالب وكانت أمها من نساء أهل الجنة السيدة فاطمة، وأخويها شباب سيدا من شباب الجنة أيضًا.
قدمت السيدة زينب إلى مصر برغبة خالصة منها، وذلك حدث بعد أن قام معاوية بإعطائها الفرصة في اختيار المكان الذي تُنفى في، ومن الجدير بالذكر أن اختيارها لمصر كان من أكثر الخيارات الموفقة، حيث استقبلها أهل مصر اسقبالًا حافلًا، وسعدوا بشكل كبير جدًا لقدومها.
كل ذلك حُبًا وتعزيزًا بجدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن بعد الانتهاء من الترحيب الحافل الذي شهدته السيدة زينب، قامت بقول دعوتها الشهيرة.
فقالت:
“أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجا ومن كل ضيق فرجا”،
وعندما استقرت السيدة زينب في مصر وهبها والي مصر قصره شخصيًا لكي تقيم فيها، ولكنها فضلت أن تكتفي بالمكوث في غرفة واحدة فقط.
كانت تلك الغرفة بمثابة الخلوة الخاصة بها التي تقوم بالتعبد فيها لله عز وجل، وتزهد فيها متاع الدنيا التي كانت تعرض عليها آنذاك، ومن الجدير بالذكر أن موقع تلك الغرفة هو مقامها الآن الذي يتوافد إليه عدد كبير جدًا من الأشخاص لنيل البركة.
كما كانت وصية السيدة زينب أن يحتوي باقي القصر إلى مسجدًا يقصده الناس للتعبد به، يعتبر في تلك الآونة مسجد السيدة زينب من أشهر المساجد والمزارات التي يقصدها عدد كبير جدًا من زوار مصر، شوقًا لرؤية التراث الديني القديم.
اقرأ أيضًا: أماكن أضرحة أهل البيت
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب
يعتبر الإمام الحسين بن علي طالب واحدًا من الائمة الذين سكنوا مصر وعاشوا فيها، وويُنسب إلى المشهد الحسيني في الأزهر، ومن الجدير بالذكر أن الإمام الحسين لم يأتِ إلى مصر على الإطلاق، ولم يكن له مقر نهائيًا، ولكن وفقًا لحديث المؤرخون.
فإن رأسه فقط هي من وصلت مصر، وتم دفنها في العديد من الأماكن المختلفة من بلاد العالم، حتى استقرت في عسقلان بدولة فلسطين، يجب العلم أن من الأسباب التي دفعت الإمام الحسين بن علي طالب للخروج من بلدته هو رفضه أكثر من مرة للبيعة التي كان يرغب بها يزيد بن معاوية.
الذي كان يرغب في أن يكون خليفة للمسلمين، ويمكن الاستدلال على رفض الإمام الحسين بن علي طالب لتلك البيعة من خلال ما قال لرسول يزيد بن معاوية وهو: (لن أقر اقرار العبيد ولن أعطيكم إعطاء الذليل.. على الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد، والله لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى ما بايعت يزيد).
عندما جاءت الحملات الصليبية على كلٍا من فلسطين والشام، خشي الفاطميين من أن تتوصل الحملات الصليبية إلى رأس الإمام الحسين، الأمر الذي دفع الحامية الفاطمية بعقلان في فلسطين بأخذ الرأس الشريفة وحملها لمصر لكونها بلاد الأمان من وقتها إلى الآن.
في عام 1154 ميلاديًا والذي يوافق 549 هجريًا أمر الخليفة الفائز الفاطمي أن يتم حفظ رأس الإمام الحسين في علبة من علب سراديب القصر، ومن ثم بناء مشهد أو ضريح على قرابة من الجامع الأزهر الشريف، وأصبح ذلك المشهد من وقتها يعتبر ذلك المشهد مزارًا سياحيًا هامًا ومقصدًا دينينًا يقوم به العديد من الأشخاص.
عائشة بنت الإمام جعفر في مصر
هي عائشة بنت الإمام جعفر بن محمد باقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، هي تعتبر واحدة من آل البيت الذين جاءوا لمصر في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وكان السبب في تلك الهجرة هو بطشه بآل البيت.
السيدة عائشة بنت الإمام جعفر توفيت في عام 145 هجريًا، وتم دفنها في المنزل التي كانت تعيش فيه، علاوة على ذلك فإن المؤرخون أجمعوا على صلة قدوم السيدة عائشة بنت الإمام جعفر بن محمد باقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إلى مصر، بل ودفنها فيها.
يمكن الاستدلال على ذلك من خلال ما ورد عن السخاني في تحفة الأحباب ” هذا قبر السيدة الشريفة عائشة من أولاد جعفر الصادق ابن الإمام محمد باقر بن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه”.
رحلة السيدة نفيسة لمصر
في صد التعرف على رحلة أهل البيت إلى مصر، لا يجب التغافل عن ثالث الشخصيات التي اعتبرت مصر مكانًا آمنًا يمكنها المكوث فيه، هي السيد نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن علي طالب، وهي ابنة حفيد الحسن بن علي بن أبي طالب، علاوة على ذلك فهي صاحبة أشهر مقام في مصر، مقام السيدة نفيسة الذي يعتبر بمثابة مقصدًا سياحيًا رائع في مناطق مصر القديمة.
كان يوم 24 رمضان الموافق 193 هجريًا واحدًا من التواريخ الهامة في تاريخ مصر، حيث جاءت فيه السيدة نفيسة إلى مصر، وكان الاحتفال بها عظيمًا، وتم استقبالها استقبالًا حافلًا جدًا، منذ خروجها من العريش وحتى وصولها الأراضي المصرية الفسطاط قديمًا.ً
قام واحدًا من كِبار التجار الذي يُدعى جمال الدين عبد الله الجصاص بوهب السيدة نفيسة منزلًا لكي تسكن فيه، ومن ثم قامت السيدة نفيسة بالانتقال منه إلى بيت أم هانئ، وفي النهاية انتقلت السيدة نفيسة مرة أخرى، ولكن تلك المرة مختلفة تمامًا، حيث إنها انتقلت إلى منزلٍا قام والي مصر عام 201 هجريًا، ومن الجدير بالذكر أن تلك الدار كانت الأخيرة بالنسبة لها، وتم دفنها فيها بعد ذلك.
يجب العلم أن السيد نفيسة كانت ترغب في الرحيل والعودة للحجاز بعد استقرارها في الدار التي منحها لها والي مصر، مُفسرة بذلك إنها لم تعد تحتمل كم الزيارات الكبيرر جدًا الذيب كانت تشهده يوميًا في منزلها، الأمر الذي دفعها نحو قول “أنا امرأة ضعيفة وقد شغلوني عن جمع زادي لميعادي، وكأني ضاق بهذا الجمع الكثيف”.
الأمر الذي دفع والي مصر أسري بن الحكم نحو وهبها دار أخرى، ولكنها أوسع لكي تستوعب كم الأشخاص الذين يزورونها يوميًا، فعاشت السيدة نفيسة في مصر قراب 7 سنوات، وتوفاه الله في عام 208 هجريًا، لكي تكون الدار التي عاشت فيها وتوفاه الله فيها مقامًا لها يشهده عدد كبير من الزوار لنيل البركات كما كانت تحيا بالضبط.
اقرأ أيضًا: أسماء أولياء الله الصالحين في سوريا
سبب اختيار آل البيت لمصر
بعد أن تمكنا من التعرف على العديد من المعلومات حول رحلة أهل البيت إلى مصر، يجدر بنا ذكر أن أغلب آل البيت وأولياء الله الصالحين وحتى الرؤساء والجنود كانوا يقصدون مصر في رحلاتهم، ويمكن الاستدلال على حبهم لذلك من خلال أن مصر من الدول التي لها مكانة خاصة في القرآن والسنة، ويمكن الاستدلال على ذلك من قول الله تعالى:
(اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ)، البقرة:61
علاوة على ذلك قوله تعالى:
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) يونس:87
حيث ذُكرت مصر كثيرًا في القرآن الكريم، مما يدل على مكانتها الكبيرة جدًا المختلفة عن باقي الدول، ويمكن الاستدلال من ذلك من خلال قول الله تعالى:
(وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ) يوسف: 99.
كذلك قوله تعالى:
(أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) الزخرف: 51
بالإضافة إلى أنه يمكن الاستدلال على مكانة مصر الكبيرة في الإسلام من خلال ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال:
“إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يُسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذمة ورحمًا أو قال ذمة وصهرًا…”
كذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم قبط مصر وأوصى بها خيرًا، ويظهر ذلك واضحًا من خلال قوله:
“إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم، فاستوصوا بهم، فإنه قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله” صحيح ابن حبان.
وقال أيضا:
“الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا في سبيل الله”.
اقرأ أيضًا: أسماء أولياء الله الصالحين في عمان
حكم زيارة آل البيت
إن رحلة أهل البيت إلى مصر جعلت هناك عدد كبير من الأضرحة والمقامات التي عاش بها أولياء الله الصالحين وتوفوا ودفنوا بها، وهو ما دفع العديد من الأشخاص نحو الذهاب لتلك المقامات والأضرحة بغرض نيل البركة.
من الجدير بالذكر أن زيارة الأضرحة والمقامات في مصر من الأشياء التي عادةً ما تثير الجدل، ويمكن الحد من تلك المُشاحنات من خلال قول إن المقامات والأضرحة تحل محل القبور، وزيارة القبور سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن الاستدلال على ذلك من قوله:
(زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية أخرى للحديث: (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآخِرَةَ).
كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة الحفاظ على أهل بيته، فعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال:
قَامَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَحَمِدَ الله، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَوَعَظَ وَذَكَّرَ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ! أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ.
فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَوَّلُهُمَا كِتَابُ الله، فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ الله وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ الله وَرَغَّبَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي؛ أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ الله فِي أَهْلِ بَيْتِي رواه مسلم.
لذا فإن زيارة أهل البيت والتبرك بهم من الأشياء المستباحة التي تقترب من الأمور المستحبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
إن رحلة أهل البيت إلى مصر كانت واحدة من الرحلات التي كانت تجدي نفعًا، ويرجع ذلك إلى أنها أدت لوجود عدد كبير من الأضرحة والمقامات التي يقصدها الناس لأخذ التبريكات.