قد يحاول الفكر الرأسمالي وأرباب المال العالمي إعادة التوازن بين القوى الاقتصادية المهيمنة، انطلاقًا من أزمة أوكرانيا وروسيا، وحتى مشاكل الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هل سينجح الفكر الرأسمالي في هذا؟ أم ستسيطر روسيا على الاقتصاد العالمي؟
تأثير أرباب المال العالمي على التوازنات العالمية
على الرغم من العقوبات الاقتصادية التي اعتمدها الغرب في مواجهة روسيا مع بدء العمليات العسكرية في 24/02/2022 إلا أن روسيا لم تتأثر به بشكل حقيقي بعد اتخاذها مجموعة من التدابير المالية التي استطاعت أن تمتص التضخم بشكل سريع فضلًا عن فتح أسواق جديدة لمنتجات الطاقة والغذاء والتي عانى من آثارها العالم.
من قبله أوروبا وأمريكا ويعود ذلك إلى تمويل أرباب المال العالمي لكافة الأنشطة الروسية من الأبواب الخلفية واستثمار أزمتي الطاقة والغذاء في تحقيق مكاسب مالية جنونية فضلًا عن تحقيق اهتزازات للعروش الاقتصادية وتوجيه استثمارات كثيفة للآليات العسكرية والتي تقدر بمئات المليارات لرفع حالات التأهب والاستعداد لحرب عالمية طاحنة.
ذلك بعد اختبارها في الأراضي الأوكرانية التي باتت مسرحًا للقدرات العسكرية بين الشرق والغرب مما حدا بالمعسكرين تطوير وتجريب الصواريخ الفرط صوتية والرادارات ثلاثية الأبعاد فائقة الدقة كثيفة التغطية فضلًا عن الطائرات الشبحية.
الحرب العالمية الثالثة آتية لا محالة
خلاصة الأمر أننا على أبواب حرب إلكترونية مجهولة العواقب في ظل تمويل مفتوح لكافة الأطراف بشكل مباشر وغير مباشر الهدف الرئيس منه التخلص من الديون الثقيلة للدول الصناعية الكبرى حيث أكدت تقارير البنك الدولي على بلوغ الدين العام العالمي سقف ٢٢٦ تريليون دولار مما ساعد بشكل كبير في الدخول على خط أزمة التضخم.
الأزمة التي تتطور بشكل دراماتيكي إلى أزمة الركود التضخمي خاصةً مع الإجراءات المتشددة للبنوك المركزية للاقتصاديات الكبيرة التي ذهبت لرفع الفائدة دون النظر لتأثير ذلك على أدوات الإنتاج والاستثمار مما يؤثر حتمًا بالسلب على الاقتصاديات الناشئة والنامية مع افتقار مصادر التمويل خاصةً مع عدم توافر خطط ناجزة لإعدام أو جدولة الديون.
الأزمات الاقتصادية سلاح الدول الكبرى
باعتبار البلدان الفقيرة والنامية روافد اقتصادية تمتص أزمات التضخم والكساد كمستنقع آمن للدول الكبرى ومن ثم قد تكون رؤية أرباب المال العالمي انطلاقًا من الأزمة الأوكرانية -خاصةً بعد الأزمات الكبيرة جراء وباء كوفيد ١٩- ذاهبة إلى إعادة صياغة التوازنات الاقتصادية.
وصولًا إلى مجتمع عالمي متعدد الأطراف بشكل حيوي قادر على مواجهة وامتصاص الأزمات الاقتصادية بشكل أكثر مرونة مع إعادة توجيه الاستثمارات إلى الدول المنتجة خاصةً الصين والتي تستثمر العقوبات الغربية على روسيا وذلك باستغلال موارد الطاقة الروسية بأسعار خاصة.
من هنا يمكنها زيادة منتجاتها بأسعار قادرة على منافسة منقطعة النظير خاصةً مع حساب فرق قيمة الطاقة كمدخل رئيسي في عمليات الإنتاج والنقل مما دفع الإدارة الأمريكية إلى اللجوء للشرق الأوسط في نسخته شديدة التعقيد في محاولة لإيجاد حلول لأزمة الطاقة.
خاصةً بعد انسحاب كبير جعلهم شركاء غير موثوق بهم وتحديدا تجاه الملف النووي الإيراني والملف الفلسطيني مما جعلهم أمام خيارين إما أن ينجحوا في دفع الخليج إلى زيادة إنتاج البترول والغاز للسيطرة على أسعار الطاقة وإما يعيدون استمالة إيران ورفع العقوبات عنها لتصدير بترولها إلى الغرب وفي كلاهما لابد أن تقدم تنازلات لإنقاذ تدهور اقتصادها المنهك جراء رفع الفائدة.
الحروب بين الدول غالبًا ما تكون اقتصادية قبل أن تكون سياسية، مثلما يحدث بين أوكرانيا وروسيا، وتقوم دول الغرب بمحاولة دعم أوكرانيا حتى لا تنتصر روسيا وتصبح واجهة الاقتصاد العالمي.