اشرف الطماوى
الناصرة ـ «القدس العربي» : تدفع عملية تل أبيب الأخيرة أوساطا رسمية وغير رسمية في إسرائيل خلسة وعلانية لإعادة تقييم الحالة الأمنية، بعدما ظنت بمعظمها أن الهبة الفلسطينية قد خبت علاوة على استمرار ارتفاع الأصوات الداعية للبحث عن تسوية سياسية مع الفلسطينيين. ويوضح تقرير لمركز الدراسات الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» أن إسرائيل أيقنت بعد عملية تل أبيب عدم انتهاء الهبة الشعبية الفلسطينية، وأن تقييمات أجهزة الأمن الإسرائيلية بالأسابيع الأخيرة بأنها بحالة أفول كانت سابقة لأوانها.ويشير تقرير «مدار» إلى موقف وزير الأمن الجديد أفيغدور ليبرمان الذي اعتاد على التهديد والوعيد والمزاودة على الحكومة بعد مثل هذه العمليات. وبدا ليبرمان، في الساعات والأيام القليلة التي تلت العملية، «رسميا» في تصريحاته، بحسب المقاييس الإسرائيلية فقد تجول غداة العملية وأطلق تصريحا مقتضبا قال فيه إنه «لا نية لي بالاكتفاء بالأقوال فقط».
وتجاوزه وزراء آخرون بإطلاقهم تصريحات منفلتة واستفزازية، مثل وزير المواصلات والمخابرات، يسرائيل كاتس، الذي قال إن عملية إطلاق النار «تستوجب ردا غير مألوف وشديدا ومؤلما».
ويكشف المحلل للشؤون الاستراتيجية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان أن ليبرمان وافق على موقف الشاباك والجيش الإسرائيلي بأنه «لا ينبغي تغيير السياسة التي تسمح لأكثر من 100 ألف فلسطيني بالعمل في إسرائيل والمستوطنات وإعالة عائلاتهم». وهذا جزء من سياسة إسرائيلية مألوفة وتقتضي بعزل منفذي العمليات عن مجمل السكان الفلسطينيين، من خلال السماح لهم بالاستمرار في حياتهم كالمعتاد من باب تحاشي تكون جبل بركاني ينفجر نتيجة كثرة الضغط لاسيما في رمضان.
ولهذا السبب امتنعت إسرائيل دائما عن فرض إغلاقات وأطواق على مناطق واسعة، مثلما كانت تفعل في الانتفاضتين الأولى والثانية.
إلا أن ميلمان لا يكتفي كمراقبين آخرين بخطوات تكتيكية فيرى أنه «طالما أن الحكومة لا تنفذ خطوة سياسية أو لفتة تسمح بتغيير الأجواء، فإن كل ما يتبقى لجهاز الأمن هو مواجهة موجة الإرهاب رغم استمرار التعاون والتنسيق الأمني مع السلطة».
وهذا ما يؤكده رئيس الشاباك الأسبق عضو الكنيست يعقوب بيري ـ حزب «هناك مستقبل» ـ الذي قال للإذاعة العامة أمس إنه لا بديل عن مبادرة سياسية، مؤكدا على ما قاله رئيس بلدية تل أبيب قبل أيام وأثار ضجة وحملة عليه.
«نتنياهو يتحمل مسؤولية العمليات الارهابية»
وذهب وزير الأمن الأسبق عمير بيرتس (المعسكر الصهيوني) لأبعد من ذلك بتحميله رئيس حكومة الاحتلال بنيأمين نتنياهو المسؤولية عن العمليات « الإرهابية « ضد إسرائيل.
وخلال مشاركته في برنامج ثقافي في تل أبيب، قال بيرتس انه «بعد عشر سنوات من ولاية نتنياهو للحكومة، يمكن الإشارة اليه كمسؤول عن وصول العمليات إلى مركز تل ابيب». معتبرا أن رد بيبي على العملية في شارونا كان رد موظف وليس رد قائد يملك رؤية. لافتا إلى الحكومة برئاسته تفعل الأمر نفسه المرة تلو الأخرى، وتتوقع نتائج مختلفة بدل ان تظهر الشجاعة وتكسر الجمود السياسي».
كما كان متوقعا تعرض بيرتس لحملة من أوساط الحكومة واليمين حيث قال الحزب الحاكم (الليكود) ببيان رسمي إن «اليسار سقط عن المسار. حين يتحدث الفلسطينيون عن الاحتلال فإنهم يقصدون تل ابيب. لقد مرت عدة ايام منذ حدد رئيس بلدية تل ابيب بأن العمليات في إسرائيل هي نتاج الاحتلال، وها هو صديقه عمير بيرتس يفعل أكثر من ذلك ويحدد بأنها تحدث بسبب رئيس الحكومة.
يمكن قول ذلك بوضوح: اليسار في إسرائيل سقط عن المسار، فقد كل صلة بالواقع من حولنا، واختار للأسف تبني صندوق رسائل تنظيمات المقاطعة».
وأشار محلل الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر إلى أن نتنياهو ربما وجد عزاء في عملية تل أبيب، فالتوترات الأمنية تصب الماء على طاحونته الدعائية وأنه راض من وقوعها بعد انضمام ليبرمان للحكومة وعجزه الآن عن المزاودة عليه من اليمين.
ويرى المحللون العسكريون أن أداء ليبرمان في أعقاب عملية تل أبيب يتلاءم مع التوقعات منه حتى الآن، وأن هذا أداء يقتضيه منصب وزير الأمن، وأنه «أداء منضبط».
وينبه المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، أن «ليبرمان يدرك الآن أنهم يتابعون أداءه تحت المجهر، ويتوقعون أن يحرق النادي. وفي الوقت نفسه، يدققون في حجم وزنه في القيادة الأمنية، وكيف يقف أمام رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي وهيئة الأركان العامة».
وأضاف فيشمان أنه إذا أراد ليبرمان السير على أرض صلبة، خلال الأشهر الأولى لولايته على الأقل، «عليه أن يلتزم (بخبرة) المهنيين، في الجيش والاستخبارات، وبالحقائق والمصالح الباردة، وأن يضع العواطف جانبا». من جانبه أشار المحلل العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، إلى أن التقديرات لدى الجيش الإسرائيلي والشاباك هي أنه «تتشكل في الضفة خلايا أخرى، ستنفذ عمليات مشابهة لتلك التي وقعت في تل أبيب». ويرجح هرئيل أن ليبرمان سيكتشف أن ترسانة الخطوات التي بحوزته في الظروف السياسية الراهنة، محدودة للغاية لاسيما أن إسرائيل لا تريد كسر العلاقة مع السلطة.
غير أن هرئيل يلفت إلى جانب آخر يتعلق بالهبة الفلسطينية الحالية، يرتبط بالتوازن الداخلي بين الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وبحسب هذا المحلل يبلغ عدد الأسرى اليوم حوالى 6500 أسير، ينتمي نصفهم إلى حركة فتح، وينتمي الباقون إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين إضافة لأسرى الداخل. ويستنتج المحلل الإسرائيلي من ذلك أن أمثال هؤلاء الأسرى الشباب كثر، ويتوقع أن يساهموا في إبقاء جذوة الهبة الشعبية مشتعلة