محمدعبد الوارث
قصة قصيرة …… صَفــيِر الزَمــــن … محمد عبد الوارث
*********************************************************
البحر سَرمدي اللون، والموج يؤطر فيضان اليود الراكب ظهر الريح ؛ الذي يمسد أسطح المدينة . يملأ الصدور أريجاً ، فيطلق من الرؤوس لحظات الأمل و الانشراح.
لم يكن اليوم الأخير لامتحان الابتدائية إلا إيذاناً برحلة الصيف .. التي ” يفرجُ ” عني فيها أبي . فأبرح الإسكندرية
وشارع ابن نصر، و كرة القدم التي أهواها، وأصحابي
وبالأخص صديقي الشهير بـ”حوده رِجْلوُ” نظراً لقوة “شوطتِه” للكرة؛ ؛ وصديقي الشهير ب “ميمي جروبي “الوسيم وسامة الأجانب اليونانيين الذين يقطنون حَينَا “الحَضَرة البحرية”.
سعادتي الغامرة تجعل قلبي الصغير يكاد يقفز وأنا أتعجل الحبيبة أمي كي تأخذ من أبي الإذن و النقود . لأسافر معها إلي أهلها بالقاهرة ، حيث أعيش الصيف ، قاطناً بيت خالي العامر و الكائن بشارع عِلان بضاحية كوبري القبة .
ترنيمة ناي تسكب في السمع شدواً باهراً ، يضخم ضربات القلب فتكاد النفس تطير.. في الشجن لذة تأس تبعث في الأوصال خدراً . يحمل في أعطافه رؤى عزة راسخة علي قمة هرم أو مئذنة أو كنيسة أو عند أعالي الشجر و أطراف المدن أوذُري الجبال البعيدة..
في ستينيات القرن الماضي . ضاحية كوبري القبة من الأحياء الراقية الهادئة. و فيها يقع قصر القبة و فيه يسكن جمال عبد الناصر؛ ذلك الذي ملأ حياتنا و أسماعنا بالثورة
وأحداثها . صورته الباسمة و فوديه الأبيضين يرسمان وقائع لا تفارق صفحة السماء الصافية . وصدي الصوت الرنان المؤطر لكلماته و شروحه في كل خطبة عن الاستعمار وأعوان الاستعمار؛ وعن المقاومة والتحدي وعن الصمود
والقدرة وعن القوة و عن الأخوة . وعن العروبة والعرب
وعن البذل والفداء وعن. وعن . وعن.. أري هذه الصورة،
وأستعيد هذه العبارات ، و القطار المتحرك من محطة سيدي جابر إلي القاهرة . وعلي قبة السماء بكل ما يمر بها من سحب و حرارة شمس و رياح . و أظل قابعاً لصيق أمي بجانب النافذة. أستعيد هذا الشريط السينمائي الذي صوره خيالي ، وسجله عقلي.
أمي بين الحين و الحين تمد يدها السمراء اللطيفة بقطعة من الخبز وضعت فيها شيئاً من الجبن أو الفول ؛ تحثني علي الأكل حتي أبدو أمام خالي بصحة جيدة . تظل تنصحني بوصاياها عن السلوك المؤدب و الإستعمال الحريص لمقتنيات خالي الثمينة التي يذخر بها بيته. و لا يوجد مثيل لها في بيتنا.
أهز رأسي مجيباً بنعم سأفعل ؛ و أنا مشغول عنها بمتابعة البيوت و الحقول و الأبقار و الفلاحين المنهمكين في الزراعة ، باذلين من الجهد و الطاقة ما يفوق هذه الأجساد الهزيلة التي لوحتها الشمس. وإن كان بعضهم يبدوعليه فرط قوة.
الشمس تكتب التاريخ بشعاعها. ما من واقعة إلا سجلتها .. حفظاً في تلافيف
العقل، أو شعاعات الطيف في مأقي العيون.
يظل القطار تقرقع عجلاته فوق القضبان الحديدية.
في توقيعات قطارية متكررة متزامنة محفوظة.
نغادر أنا و أمي ميدان رمسيس إلي محطة مترو مصر الجديدة، ليقلنا إلي كوبري القبة. نطرق باب بيت خالي. هو في الحقيقة ليس بيتاً مثل البيوت العادية . إنما هو فيلا من طابقين ذات حديقة واسعة تتسامق فيها أشجار المانجو التى كنا نحصل على ثمارها عن طريق عصا طويلة فى نهايتها خطاف معدنى.
المانجو كبيرة الحجم لذيذة الطعم . يسمونها مانجو هندي، وأشجار الجوافة وزهور الياسمين تحيط بجوانبها .
في ظهيرة يوم تالِ غادرتني أمي عائدة إلي الإسكندرية
وأبي … الأفق شرفة في البعيد سحاباتها أجنحة الطير وهامات النخيل التي تروي علي ربابة الناي قصة الأمس القريب.
في الصباح استيقظت علي صوت ” أمينة هانم بيكر ” هكذا كان يناديها خالي وهو كثيراً ما يعلن أمامها أن جده الأكبر القائمقام محمد فوده ” مُطيَب الحرب العُظمي ” كان له باع مع الإنجليز … أمينة هانم زوج خالي سيدة تركية لها ملامح طيبة و سمحة . خاصة أن عينيها كانتا زرقاوتين جميلتين بوجه أبيض و شعر قصير كستنائي ذا سدول فائق النعومة . كان يبهجني فيها أنها عندما تخاطبني تقول لى ” إنتي “بدلاً من أنت و كأنها تتحدث إلي أنثي لا ذَكر . فأبتسم قائلاً – أنا ولد يا طنط ! .. فتبتسم ولا تعلق . فأذهب لأنفذ ما تطلبه مني.. فقد كانت تطلب مني أي شيء كأنها تستأذنني أن أفعل ولا تأمرني مباشرة بما تريد..
dec 2, 2014 – drugs with detailed recommendations., baclofen generic brand: purchase lioresal ( baclofen ) on the internet quickly shipping affordable. أغادر الحَمام و صوت أمينة هانم يصلني وهي تلقي بتعليماتها إلي الطاهية نوّار التي تكون قد أعدت إفطاراً لذيذاً من البيض المقلي بالزبد و أطباق الجبن الأبيض و الفول و عسل النحل و الكريمة و الحلاوة الطحينية و الخبز الساخن.
دقت الطاهية جرساً يقبع دائماً في أحد أركان مائدة الطعام التي تتوسط المطبخ الواسع المطلة شرفته الفسيحة علي الحديقة .
أجلس أنا و خالي و أمينة هانم نتناول الفطور الشهي
وهي تلمح بالحوار مع خالي بأن عليه أن يأكل كل ما في طبقه ولا يترك فيه شيئا . و يتم أثناء الفطور إختيار طعام وجبة الغذاء لهذا اليوم. تسألني أمينة هانم دائماً عما أحب أن أكله من أنواع الخضروات . و كنت أسمع إجابة خالي ، فأجيب بمثل إجابته . فتعيد علي السؤال وتلح في أن أطلب ما أحب أو ما أريد . كنت أخجل منها للطفها ، فأجيبها بمثلما قال خالي و أنا أشعر أنني أحب ما طلبه فعلاً و لست في حاجة إلي تغييره .. بعدها أعود إلي حجرتي الخاصة ، فقد كانت لي غرفة نوم واسعة عالية السقف تطل شرفتها علي الحديقة مواجهة لأشجار المانجو.
الغرفة رائحتها لطيفة كرائحة الحدائق . و فرشها نظيف مرتب. وهناك خزانة أحفظ فيها ملابسي . و كثيراً ما استلقيت علي السرير محملقاً في سقف الحجرة مستغلاً الصمت الجاثم علي المكان، كصمت معابد الفراعنة ، متخيلاً أحداثاً
و مواقف عديدة. فالسقف الأبيض المشع بأثر شعاعات الشمس المنعكسة عليه ، كان يدفعنى إلى التأمل والفكر.
السديم الأخضر في الحديقة تغشاه رائحة المانجو .
وهسيس الأوراق يداعب الهوام الشاردة و الصمت حليف طيب يرعي الجميع … عم حسن ، شيخ ريفي، يقوم برعاية حديقة الفيلا المليئة بالأشجار التي يعبق شذاها المكان ويعطي الإخضرار الوارف بدرجاته رونقاً جميلاً علي الحديقة
والفيلا … عند خالي العالم فسيح والسماء صافية وإن كانت الشمس دائماً تسكب ضياءها الغامر علي كل الشارع الأسفلتي الخالي، والمنازل الهادئة المحيطة بنا.
لم يكن لخالي أو أمينة هانم بيكر أولاداً. مما جعل وجود صبي داخل هذا البيت الفسيح شيئاً محبوباً إلي حد بعيد و يحملني علي هذا الإحساس ما كنت ألاقيه من دفء غامر وود متواصل وعطف وإهتمام بالغ.
أمينة هانم تكاد تعتبرني لعبتها المفضلة ، لدرجة أنها قالت لي ذات مرة : يا سلام لو كنتى ..!!؟ نظرت إليها ولم أنطق. وتمنيت وقتها لو كنت بنتاً لهذه السيدة الطيبة الجميلة التي ليس لها أولاد… صباحاً . كل يوم جمعة تصدح في أجواء المنزل رائحة “لقمة القاضي” التي كانت دائماً الطبق الرئيس لمائدة الإفطار . عقبها أخذ حماماً ؛ استعداداً للذهاب لصلاة الجمعة والتي كانت أمينة هانم تحثني علي أدائها هي وغيرها من الصلوات.
buy zyban canada buy bupropion
سجادة الليل موشاة بخرز متواتر الضوء . و الكروان يبث دعاءه عل من يسمع يلهج بالثناء . بين الحين والأخر يسطع في الأفق مذنب يحترق لا أعلم في أي مكان يسقط . تاركاً النفس مشدوهة لعل لحظة إبصار خاطفة تذكر الرائي بمن خلق..
في أمُسيات بعض الأيام تطلب مني أمينة هانم التهيؤ للخروج و تعاونني في انتقاء ملابس الخروج والتي يكون بعضها جديداً قد قامت بشرائه لي . وذلك للذهاب إلي سينما ” الفالوجا ” الصيفية التي تعرض فيلم ” دعاء الكروان” الذي ظل صوت كروانه عالقاً بذهني حتى اليوم . فما أكاد أسمع صوت الكروان في الأماسي إلا وتعود بي الذاكرة سريعاً إلي سينما الفالوجا وتتداعى مشاهد فيلم دعاء الكروان و فاتن حمامة تنوح علي هنادي .. و أحمد مظهر يضحك متلاعباً بهذه الريفية الساذجة … و خالي وزوجه في إنسجام بجانبي علي المقاعد الخيزرانية .. و سقف السينما مفتوحاً علي السماء . فأري النجوم تتلألآ في السواد المخملي فترصعه ؛ لتخلب لبي في هذه السن الباكرة.
مصر مجيشة من بعد شوطة أو جولة أو نكسة
أو أي مسمي يخفف من كلمة هزيمة . فالشمس تشرق وتغرب علي وعن الجنود. و الليل و البدر يظللان أشباحاً يعبرون القناة عائدين بزورق بعد أن أنهوا مهمة جريئة في الجانب الشرقي . و الأيام تتوالي.. أمينة هانم منذ الذي جري تبدو حزينة مكتئبة و صارت الحياة في الفيلا علي منوال أخر ، بعدما غادرتها نوّار بسبب زواجها، و خادمة أخري لا أذكر أسمها، كانت قد سرقتها بينما أمينة هانم في زيارة لإحدى قريباتها الشتاء الماضي . وجاءت”سيدة ” لتقوم بعملها في الطهى و النظافة . و إن كانت نوّار تأتي للزيارة بين الحين و أخر .
“سيدة “بنت ريفية من بلدة قريبة من طنطا .كثيراً ما كنت أراها مقعية بجانب الراديو تستمع فى وجد لتمثيلية
“أدهم الشرقاوى” – غناء محمد رشدى – وعيناها تفيض بالدمع بين مسمع وأخر.. منذ صرت فى مرحلة الشباب، كانت أحلامى مزيجاً من عدة أطياف هي الوطن والحب و الموسيقي والتاريخ فرعوني وعربي. شرقي وغربي والسينما و الكرة و.. و.. و كانت أحلام الحب الوردى قد بدأت تأخذ حيزاً واسعاً من فكرى، مثلي مثل قرنائي، وإن اختلفت أحلامنا و لكنها تتجمع عند ذلك الموقع الذي لا يبرحه غالبا فكر الشباب ..
أمينة هانم أستضافت إحدى قريباتها للعيش معها في الفيلا فصارت كأبنتها. وهذا أول عهدي بمعاملة البنات في هذه السن الباكرة. والتي كان يسوسها إحساس دفين بالغيرة من المشاركة في البيت الذي كان يعني لي نوعاً ما من الملكية الخاصة .
جو مصر في هذه الأيام ملوناً بالكاكي و الحديث
لا يدور إلا عن الحرب و ضرورة النصر. وأمتزج في أحلامي اللونان الوردي و الكاكي. كأن أحدهما يتلبس الأخر
أو يتخلله ليبدو هو تارة أو الأخر تارة أو هما معا تارة أخري. وإن كان الكاكي هو الغالب. فالحياة والسيارات العسكرية والجنود و السواتر في مداخل العمارات في كل مكان. والإذاعة بأغانيها وأحاديثها وبرامجها صارت كلها كاكية اللون .. وشعار هذه الأيام ” لا صوت يعلو علي صوت المعركة ”
3 days ago – looking for cheap estrace ? not a problem! click here if you are you looking for more information in regards to estrace look at pharmacy و ” ما أخُذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”..
هاجر ضيفة أمينة هانم طالبة في مدرسة التمريض ، سمراء رقيقة ، دقيقة القد ، باسمة الثغر .. تشعرني دائماً أن الحياة قد انفتحت عليها .. فأجد نفسي أمام حديثها كأنني ساذج أجهل الحياة و ما فيها . و كان ذلك يقارب بعض الواقع . أنتظر دائماً عودتها إلي الفيلا ، أتابعها تساعد في إعداد مائدة الغذاء؟ و أتلهف عودتها مساءاً لأتناول معها العشاء . أحسست أنني لصيق بها وغير قادرعلي البعاد عنها . ولكن عندما ينتهي صيفي فأعود إلي الإسكندرية . لا ألبث أن أنسي رويداً رويداً حياتي في مصر وما فيها ، في خضم عوالم الإسكندرية الهادئة دائماً ذلك الحين ..
dapoxetine price in pakistan. extremely fast u.s. dapoxetine shipment . dapoxetine is used as a treatment for premature ejaculation. buy dapoxetine tablets!
توالت البرقيات و الأخبار من كل الأنحاء . و صار الهاجس الكبير الذي كنا نخشاه محلقاً فوق رؤوسنا . نعم حدث …!!
purchase discount medication! priligy dapoxetine buy online . approved pharmacy, buy dapoxetine online pharmacy. أصررت علي السفر مع أمي إلي القاهرة. كانت الرحلة مسائية. و القطار صامت فيه الحوار بين الركاب. والمشاهد خارج النافذة التي تهب منها لطمات هوائية باردة. عبارة عن ليل مدلهم يفرد سواداً عظيماً يغطي الأفق الغير مرئي . منه أختفت بقع الضوء المتواتر. ولم تعد هناك عروض للخيال علي صفحة السماء . ولم يعد يري علي مسرح الرؤى سوي أشباح المنازل المتتابعة التي انبعثت منها فى خجل ذؤابات ضوء عليلة مصفرة.
بسم الله الرحمن الرحيم يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي
مات عبد الناصر..
أمينة هانم عندما سَمِعت الخبر ، أنفجر شريان المخ ؛دخلت في غيبوبة . العائلة توافدت جزعة ، تطمئن عليها .. الكل يبثها وهي في عالم الغيبوبة ، مرارات آسفة علي ما أصابها . و النسوة مصريات وتركيات تناقلن النظر فيما بينهن ربما لوداع بعضهن بعضاً . فكم ذات مرة تجمعوا في سهرة بشرفتها الفسيحة الموشاة الستائر في أمسيات الصيف المعطرة بنسمات حديقة المانجو.أوعلي مائدة غذائها. أو في زيارات أيام و ليالي الأعياد البهيجة..
في شبة يوم حشر. وُدْعَ عبد الناصر. الناس حزانى.
والمجهولين ألفوا الأغاني في موته. لكن الجنازة كانت بالغة
التأثير والجيشان . و النعش محاط من جهاته الأربع بالضباط و الجنود الذين يرتدون الكاكي ..
في ذات اليوم فاضت روح أمينة هانم إلي بارئها .
و أنهمرت دموعي بين دموع العائلة. كانت تلك أول مرة أبكي فيها فراق عزيز من أقاربي. فى جنازتها الهادئة التي التف حولها محبوها وهم كُثر. ووريت الثري في مقبرة القائمقام محمد فودة “مُطيب الحرب العُظمى “الجد الأكبر لخالي..
في الصباح غادرنا أنا و أمي القاهرة في أول رحلة إلي الإسكندرية . في القطار كنت لا أري من النافذة إلا سماءً متوهجة البياض. وبين مسافة وأخري كانت صورة الباسم ذو الفودين الأبيضين و صورة صاحبة العيون الزرقاء والشعر المنسدل يتجاوران ظاهران لعيني شيئاً فشيئاً، حتى يتجليا تماماً كأنهما جالسان في كنف السماء .. ثم لا يلبثان أن يبتعدا حتى يتلاشيا تماماً .. لكن بريق العين و صفاء البسمة ظلا عالقين في الفضاء البعيد . و العالم حولي أنتابه سكون سرمدي. حتى القطار المنطلق صار خيالاً غارباً لا صوت له……
******************************************************************************************************************************¯ ¯ ¯ ¯ ¯