الأثر العربي في مسرحية رميو وجولييت
مقالة أدب مقارن بقلم د/ طـــــارق رضـــــوان
مقــــدمة
شكسبير وماذا قيل عنه
قد يجهل القارئ من هو شكسبير ؛ لكن لن يجهل قصة (روميو وجوليت) التي أصبحت أشهر من شكسبير نفسه ، فروميو وجوليت Romeo and Juliet من أعظم وأشهر أعمال الكاتب الإنجليزي شكسبير وتعتبر من الكلاسيكيات العالمية التي مثلت كثيراً في مسرحيات والأفلام قديماً وحديثاً وظهرت مترجمة في الكثير من لغات العالم، حتى أصبح أي شخص عاطفي أو مغرم يشار إليه باسم روميو وكذلك الحال بالنسبة لجولييت. كما أن مشاهد روميو وجولييت ألهمت الكثير من الرسامين لرسم مشاهد المسرحية، ونتج عن ذلك تراث من اللوحات العالمية الشهيرة.
سمعتُ كثيراً عن مسرحية روميو وجولييت ، وكيف حب كل منهما الآخر ، ووقفت كثير على معاناتهم ، وتعجبت لصمودهم أمام جبروت الرفض ، لكن حبهم كان أقوى من أي عوائق تقف أمامه فقد كانا مثالاً للحب الطاهر العفيف ، الحب الصادق الخالي من التزيف والنفاق ، حباً صادقاً بمعنى الكلمة ، مشاعره فياضة ، ولهذا وقفت على مسرحية شكسبير هذه وتأملت كيف مزج بين الواقعية كحقيقة ملموسة ومعاشة وبين الرومانسية كعاطفة دفينة جياشة في البداية أردت أن أعمل مقارنة بين مسرحية روميو وجولييت لشكسبير وبين مسرحية مجنون ليلى لأحمد شوقي ، لكن عندما بدأت أقرأ المسرحيتين ، لاحظت هناك تأثير عربي واضح في مسرحية شكسبير ، وملامح عربية لا تخفى للناظر لها من أول وهلة ، وما أكد لي وجود صلات تأثر قوية أشياء كثيرة منها : عاطفة الحب العفيف ،معاناة الحبيبين ، الحرمان ، التلذذ بذكر المحبوب والبكاء عليه ، الانشغال بذكر المحبوب في كل وقت وحين ، لقاء المحبوب بعيداً عن أعين الناس ، الخوف على المحبوب ، الوسيط بين الحبيبين أو الرقيب ، الواشي أو العاذل ، الإيمان بالسحر ، مراسلة الحبيبين ،معارضة الأهل وتعصبهم ضد هذا الزواج ، وفي نهاية المطاف الموت لكلا العاشقين، فكل تلك جعلتني أقدم مقارنة بين المسرحيتين مع الاعتماد على المسرحية في التراث العربي كما وردت في كتاب الأغاني .
الفصل الأول
شكسبير فنان مبدع ، يستطيع بقدراته الفائقة أن يخلق نماذج خالدة تصور العواطف الكبرى في حياة الإنسان ،وقد قال احد النقاد عنه “إن شكسبير يملك أكبر المخلوقات في هذه الدنيا بعد الله ذلك لأنه خلق شخصيات فيها من الأصالة والعمق ما يجعلها تنافس في قوتها وبقائها الشخصيات الواقعية الحية ” .
أما الفيلسوف الإنجليزي الكبير كارلايل يقول عن شكسبير “إن شكسبير هو أعظم شيء أنجبناه حتى الآن وقد نستغني عن أي شكسبير لنجني لأمتنا شرفاً ، ونكتسب لها سمعة بين الأمم ، إلا شكسبير… فإننا لا نستطيع أن نستغني عنه أبداًَ في مقابل أي شيء ، وإذا قيل لنا أن نتخلى عن أحد أمرين : إمبراطورية الهند أو شكسبير،فإننا سنختار شكسبير حتماً ،فإمبراطورية الهند زائلة يوما ما ، أما شكسبير هذا فإنه لا يزول إنه باق معنا ” . فكارلايل كان صادقاً فقد زالت إمبراطورية الهند ، وبقى شكسبير، الذي يعتبر صفحة مضيئة متألقة في تاريخ الأدب الإنجليزي .
فليس في الأدب الإنجليزي اسمٌ يضارع اسم الكاتب المسرحي وليم شكسبير في شهرته وذيوع مسرحياته،وبتأثير الاستعمار البريطاني ثم الهيمنة الأمريكية-ولغتهما واحدة-انتقلت شهرة شكسبير من دائرة الإنجليزية إلى رحابة العالمية.
فهو لم يكن كاتباً عادياً بل امتاز بأسلوبه العذب الذي يخترق القلوب قبل العقول ،وبطريقة المشوقة في السرد ،وبإضافة عناصر جمالية تجذب النفس لها. له العديد من الأعمال وما يهمنا هنا هي مسرحية روميو وجوليت ، فهذه المسرحية كانت من ضمن أربع مسرحيات تصدرها هيئة الكتاب ،وهم : مسرحية تاجر البندقية 1988م ومسرحية يوليوس قيصر 1991م ومسرحية حلم ليلة صيف 1992م .
أقبل على مسرحية روميو وجولييت العديد من المترجمين ، وأصبحت خالدة في أذهننا ،راسمة لنا قصة الحب العذري العفيف الذي يعانيه المحبون بطريقة حزينة تثير في أنفسنا رحمة وشفقة ، وتجعلنا مشاركين في تجربة ، وكأننا نحن من نعاني تلك التجربة .
الفصل الثاني
مسرحية روميو وجوليت تتحدث عن حب عنيف بين روميو وجولييت ، ويتعرض هذا الحب لمشكلة كبيرة هي الخلاف بين عائلتي الحبيبين ،وفي ظل هذا الخلاف يحاول والد جولييت أن يزوجها لشخص لا تحبه يدعى (باراس) بينما يكون روميو هارباً خارج حدود البلاد لأنه قتل قريب جولييت في مشاجرة بينهما،وفي ليلة زواج جولييت من باراس الذي لا تحبه ،تتفق مع قسيس على أن يقدم لها منوماً تبدو معه أنها ميتة . فيفشل الزواج بذلك .على أن يرسل القس رسالة إلى روميو يخبره فيها بالحقيقة حتى يأتي ليأخذ حبيبته ويهربا بعيداً عن عالم المشاكل والتعقيدات ، ولكن رسالة القس تتأخر ، بينما يسمع روميو إشاعة موت جولييت،فيذهب إلى قبرها مسرعا قبل أن تفيق من المنوم ، وإلى جانبها يقتل نفسه بالسم . وتفيق جولييت لتجد حبيبها ميتاً فتنتحر ،وتكتشف الأسرتان حقيقة المأساة ، فيكون دم الشهيدين الحبيبين ثمناً للسلام الذي يعود إلى العلاقة بين الأسرتين .
موضوع القصة : يدور حول صراع بين عائلتين من أرقى عائلات (فيرونا) عائلة “منتيغيو” و عائلة ( كابوليت ) و لا نعلم سبب هذا الصراع و لكنه صراع منذ الأزل .
المكان : مدينة فيرونا ومدينة مانتوا .
الزمان : منتصف شهر يوليو .
شخصيات مسرحية روميو وجولييت هي شخصيات قريبة جداً من شخصيات مسرحية مجنون ليلى ،فلو جئنا لو ضع مقارنة أولية من حيث الشخصيات لوجدناها نفسها مع الاختلاف في التسميات ..
الأثر العربي في المسرحية
عندما قرأت مسرحية روميو وجوليت وجدت أن أصلها عربي ، فالأصل الشعبي لهذه المسرحية لم يكن يزيد في كثير أو قليل عن القصص الشعبية المعروفة لدينا مثل قصة (حسن ونعيمة ) أو قصة (قيس وليلى ) المعروفة في تاريخنا العربي ، لكن الجديد الذي جاء به شكسبير هو إعادة بناء هذه القصة الشعبية ، وبأسلوبه استطاع أن يعطيها حياة فنية جديدة خالدة ،وجعل منها المادة المحلية مادة عالمية رائعة تتردد في كل مكان ، كلما ذكر الناس شيئاً عن الحب العنيف الصادق .
وليس لأنها من أصل عربي فهي تحمل النزعة العربية ، ولكنها أيضاً تحمل في داخلها عادات وتقاليد عربية وهذا ما وجدناه في فصولها ، فشكسبير بقدر جهده الفني الذي حاول أن يطبعه على المسرحية ،إلا أنه لم يستطع أن يخفي المعالم العربية والآراء والاتجاهات . فهي طبعت بطابع التأثر العربي قبل أن تكون غربية وحملت في طياتها نزعات غربية قليلة إلى حدما مقارنة بالعربية ، بالإضافة إلى تاريخ ظهورها الذي يعد تاريخا متأخراً عن قصصنا العربية ، وأخص بالذكر قصة مجنون ليلى التي وجدناها في كتاب الأغاني بتاريخ سابق لتاريخ روميو وجولييت ،وهذا كله يثبت تأثر روميو وجوليت بقصة مجنون ليلى من حيث البناء الدرامي للأحداث المتسلسلة، ومضمون المسرحية في الحب العنيف ، واللقاءات السرية التي كانت تقام بين الحبيبين خفية في الليل من وراء الأهل ،زواج ليلى بغير قيس وجولييت بغير روميو،ظهور العادات والتقاليد التي وقفت حجر عثرة بين الحبيبين،ظهور الحاقد على الحبيبين ، الصراع الداخلي والخارجي ، ظهور المساعد للحبيبين ، أو الوسيط بين الحبيب وبين أهل حبيبته،البيئة المحيط بكل من أسرة ليلى وأسرة جولييت ، ومعارضة الأهل للزواج ، قتل القريب في مسرحية روميو وجوليت الذي يشبه هدر دم قيس ، ظهور الأعوان مثل الخادمة لليلى والمربية لجولييت ، والنهاية الحزينة التي انتهت بموت الحبيبين . فأولاً سندرس الأثر العربي في مسرحية روميو وجولييت على قسمين هما :
القسم الأول :الأثر العربي من حيث العادات والتقاليد .
القسم الثاني : الأثر العربي من حيث قصة مجنون ليلى .
الأثر العربي من حيث العادات والتقاليد
وما سنحاول الوصول إليه من خلال الأثر العربي يتمحور في العادات والتقاليد التي تقف حجر عثرة أمام الحبيبين ، وهذه العادات تتمثل في :
1.كل من يشبب بفتاة يجب أن يعاقب ولا يتزوجها ، وهذا ما وجدناه في مسرحية روميو وجوليت فعندما أحب روميو جوليت وبدأ يظهر عشقه لها تصارع مع قريبها وقتله ، ونتيجة لذلك عوقب بعدم الزواج من جولييت وطرد أو هرب إلى خارج البلاد ،لأنهم سيهدرون دمه إن عاد .
2.الكرم وهذه من شيم العربي ، لكننا وجدناها في مسرحية روميو وجوليت تبدو واضحة تماما من حيث الحفلة التي أقامتها أسرة جوليت وطلب روميو للحضور لها . وهذه الحفلة تختلف بطبيعة الحال في كل مجتمع تبعاً لاختلاف البيئة ،ففي تقاليدنا العربية تذبح الذبائح وتقدم للضيوف ترحيباً بقدومه ويتناشدون الأشعار وتسمى ليلة سمر تنصب لها خياماً خاصة بها وبالضيوف ، أما في المجتمع الغربي فتقام الحفلات لمناسبة خاصة لأسرة معينة ، وتدعو هذه الأسرة معارفها وبعض أقاربها وتقام في مكان فسيح ، ويبدأ فيها الرقص والغناء والأكلات الخفيفة ،ويترك للضيوف الحرية في الغناء والرقص ، فكل يشارك بطريقته الخاصة، وهذا يبدو واضحاً في هذا الحوار
3.الإيمان بالسحر والعرافة والجان : هذا موجود في أدبنا العربي ، ووجد أيضاً في مسرحية روميو وجوليت من حيث هذا الحوار الذي دار بين روميو و مركوشيو
فهذه النقطة التي تثبت تأثر روميو وجولييت بالأدب العربي لأن تحمل في طياتها الإيمان بالسحرة وبما يقولوا ، كأننا بهذا نعود إلى أساطيرنا العربية .