رضا محمد عبد الرحيم
شـقـاوة شــمـس
من نافذة القطار، تشاغلنى شمس الأصيل، تداعب خيالى وتبهرنى. فى كل جزء من الثانية ترسم لوحة كونية جديدة وعجيبة ورائعة. يزداد لونها إصفرارًا، وقطرها إتساعًا. تبدع وهى تمضى نحو الأفول.. أراها تزيح كتلة الضباب الكثيف فتحوله إلى كتلة سوداء بعيدة. تموجات تتضاغط فى تناغم مدهش، مُذهبة بلون أشعتها البارده. تتأرجح بين خطوط متباينة من الضوء الشاحب. كتل السحب تتحرك كعائمات الجليد: بيضاء، حالمه، تخفى أكثر مما تُظهر. تتشكل السحب فجأة، فتأخذ شكل شجرة؛ فتبدو الشمس كثمرة كبيرة فوق فروعها، يتحرر بعضها مبتعدًا، فتصير نخلة باسقة تختبىء الشمس وراء شواشيها كزهر يتوارى بين أشواكه.
صعد الشمس أعلى سحابتين شكلا معًا رأس تمساح.. جسد بلا ذيل.. تتوسط فك التمساح تمامًا.. فيبدو عاجزًا عن التهامها. تنجح الشمس فى أن تبدد فك التمساح العلوى، وتحول فكه السفلى إلى مقعد وثير تغوص بداخله ثم سرعان ما تذوب كأنها تغرق فى لجة غائمة، تخرج بعدها صاعدة لأعلى وقد استردت وهجها البرتقالى وكأنها مرتدية “جيبونه” شفافه طويلة تكشف عن نصفها السفلى بلا حياء أو خجل. ثم راحت تتقافز فوق البيوت وأبراج الكهرباء المنتشرة على طول الطريق. وفجأة تنزوى معلنة عن إقتراب المحطة التالية. وسرعان ما تتجاوزها لتطرز الحقول الخضراء بخيوط من ذهب. تمضى مسرعة وكأنها تريد أن تفضى بسر يشغلها قبل أن تلفظ آخر أنفاسها. يخبو سريعًا الوهج المنبعث منها وحولها. “تتماوت”.. تعود لسيرتها الأولى.. تتثاقل حركتها، فيتلاشى نصفها السفلى. وكأنها أودعته أمانة لدى الحقول. يذبل نصفها الأوسط. تتحول حولها السحب إلى سديم غامض. وعلى عمود كهرباء مزروع فى الأرض يقف طائر ذو سيقان طويلة.. يتداخلان.. فتشعر بأنك أمام التل -الفرعونى- الأزلى، والطائر الذى “صاح” من فوقه معلنًا عن بداية خلق هذا الكون.