الأديبة حنان سعيد
التقيت بالأديبة حنان سعيد اول مرة عام 1995فى ندوة ثقافية يديرها الأديب الكبير محمود عوض عبد العال بنادى اسبورتنج السكندرى . ومنذ ذلك اليوم لفتت انظار كل الحاضرين بكتابتها وتعبيراتها البالغة الجدة والتى تصيب بالدهشة برقيها ورصانتها وفرادة مخزونها اللغوى .. ومما يميز حنان سعيد أنها ابنة نفسها وثقافتها يعنى بالبلدى ” لايعجبها العجب ” وقد يكون هذا من فرط الثقة بالنفس وهى محقة فى ذلك …
تقول حنان عن نفسها وأزعم أنها تحدثت عن نفسها بما لم يكن فى مستطاعى أن أفعله .. فتقول:
” لاأعرف تحديدا متى اقترفت فعل الكتابة ..ولا لماذا..أغلب الظن أنى كنت طفلة مذعورة ..
هذه الطفلة بالغة النحافة والرهافة التى تعاف الطعام ..وتحتال عليها الأم بالقصص..فتزدرد اللقيمات مطعمة بالحكايات
لأول مرة أستلم مجموعتى الأولى “أمطار تموز” الصادرة فى عام 98أتأملها وانا لاأصدق انى كاتبتها وقت ان كانت الكتابة شيئا فريدا قبل ان تفيض رفوف المكتبات بالكتب .. ولا أصدق انه يتم تكريمى عليها دون حضور الفارس الأول الذى كان يجب أن يتصدر المشهد ..أبى الراحل والذى أتذكر لحظة فارقة كنت أقرأ له فيها فتبسم لى وقال :” أزعم الآن انى لم أعد قادرا على مواكبة جموحك بالقصة وأزعم أنك الان بحاجة لمن يرعاك أدبيا ” هذه الكلمة التى قالها لى أبى كانت بمثابة وقود هذه الرحلة الطويلة التى كان نتاجها 6مجموعات قصصية صادرة تباعا منذ عام 98 والتى بدأت بطرقات وجلة على باب قصر ثقافة الحرية عام 89 بتوصية من المترجم محمود مراد صديق والدىللشاعر عبد المنعم الانصارى السكندرى الأصيل الذى أبدى دهشته بكتاباتى والذى فورا قام بالاتصال بالاديب الكبير محمود عوض عبدالعال ..لأنخرط فى ندوة رائعة بنادى سبورتنج فشهدت أول كتاباتى وصداقاتى الحميمة بالمبدع والانسان أ / محمد عبدالوارث والذى كان دائما متفانيا وناقدا وصديقا ومعضدا والكاتبة ايمان يونس التى لها فضل كبير فى تعريفى بندوة الاثنين.. .ربما ترتبط القراءة لحد كبير بهوس ما او جنون ما ..يجعل ذلك الطفل ..شاذا وسط اقرانه ومغتربا بينهم ..وتجعله هاربا لجنة يصنعها هو ليعيد صياغة عالم لايعجبه ولايتفق مع افكاره ومبادئه أو أنه على افضل الظروف يقرأ ليحلل هذا الواقع المحير لمفردات بسيطة ليتمكن من هضمه وأكاد اقسم ان كل المبدعين يتوارون خلف عقدهم ربما يتوازنون بالكتابة اويبوحون أو يصرخون يصنعون حياة موازية يعيشون فيها حقا دون الحياة.
ربما كان قدر الدنيا معى أن اكون وحيدة أبى هذا الموظف النابه بالجمارك الذى تدرج سريعا لارفع المناصب وتقلد وساما للجمهورية وامى الطبيبة المتفوقة فى عصر لايعترف إلا بقبوع امرأة فى بيتها للزواج والانجاب والتى كانت تهيئنى لاكون طبيبة مثلها وكانت خيبة أملها قوية في كلما كانت ميولى تبتعد عما رسمته لى وكانت كل يوم تقترب من ميول أبى المتذوقة والميالة للفن بكافة وجوهه والذى كانت أمى لاتعترف به الا أن كان مربحا كان بلوغى بمثابة منصة القفز بعيدا عن أمى .. بدأت يمذكرات يومية فى سن العاشرة ازعم أنها كانت تشريحا فجا ليومى وعلاقاتى مع البشر ..كنت أهيكل بها افكارى عن الحياة وعن الحب والناس ومازلت ابتسم وانا اقرؤها اليوم..اننى ربما لم أزد نضجا عن الأمس أو ربما نضجت فى سن العاشرة بما يكفى لأن أتناول الحياة كما أتناولها اليوم وأنا أكثر تخمة بالتجارب وأقل تنظيرا.
همت بوطنى الأول الاسكندرية عشقت شوارعها وميادينها اختلت بوصلتى وتقوقعت عندما صدمنى نسيج الشارع الجديد والمدينة الجديدة وعشت فى الكتب اكثر ما عشت مع البشر ..صارت علاقاتى بهم صنفين إما ضامرة متقلصة لضمورجينى عضلى فى ادوات المجاملة وصنع الاكاذيب الاجتماعية او هى علاقات ضارية صادقة حميمة ضاربة فى الجذور تتغول فى النفس الانسانية وتتحمل شطحاتها وجنونها كنت ألوذ بوحدتى عوضا عن عالم صار غريبا جدا كان ينبغى فك كل هذه الخيوط المتشابكة لاعادة التعامل مع هذا الواقع الذى يلفظنى ويحل شفرة تناقضاته . كانت الكتابة وطن وسط رحلات بحث مكوكية وكبوات كثيرة فى البحث
كانت مجموعتى الثانية بها فصل كامل يسمى احتفالية للحزن .بما في ها العنوان من تناقض ..كانت أغلبها رثاء لوالدى الذى كان حضوره اكثف واقوى حتى بعد رحيله توالت كتاباتى وها أنذا اقف اليوم ومازلت مشدوهة لأقدار الحياة.وانى بعد مازلت مفعمة بفعل الكتابة..منذ أول قبلة عشق طبعتهاعلى أجنحة كتاب . تلك هى حنان سعيد وأحسب انى لم اوفها حقها فى الإبداع المتميز الذى تنتجه والذى استحقت بسببه لقب ” الكاتبة الأولى بالإسكندرية ” وفقا لتقديرات الناقد السكندرى المخضرم الاستاذ عبد الله هاشم ..
قدمت لنا حنان سعيد من إبداعها :
_أمطار تموز 1998 دار نشر الصديقان _ كتاب راقودة
_سطور بيضاء على سطح متعرج- سنة 1999 (إنتاج مشترك). _كتاب جائزة الدكتور هدارة1999
_امرأة لا أحب أن ألقاها – سنة2007 _همزة وصل _فرع ثقافة الإسكندرية سنة 2012
_ممرات سرية للفرح _ دار اكتب _ القاهرة سنة 2014