لم يكن حمدان بهلوانا
لكنه اشتهى أن يكون فراشة
فربما أدهشهم بألوانه الزاهية
وربما أيقظ رقصهُ منارة فى أعماقهم
هكذا غزَّ فى جنبيه الريش
وحينما رفرف فى الفراغ
تناثرتْ دماؤه
لم يعبأ بجراحه
بقدر ما حزن على خراب رقصته
تباروا فى ركله
وهم يعرضون عليه ثيابهم
التى اتسخت بدمه
لكن ركلاتهم
كانت أبسط من عكارة صدره
لم تمنع ابتسامته
وهو ينظر إليهم
منحدرين بعيدا عن حطامه
فى مرة ثانية
اشتهى أن يكون حصانا
رآهم يشتاقون إلى الصهيل
فوقف على أربع
وحرك حافره الأيمن كمن ينبش برفق
حَكَّ حدقتيه فى الفضاء
وركض
لكنه نظر خلفه بعد لحظات
كانوا منقلبين على ظهورهم
يضحكون على ضراطه
وصهيله الذى يشبك بكاء معزة
شتمهم بثقة وامتعاض
وحلف بقبر أمه
أن لا يرأف بأحوالهم مرة أخرى .
فجأة
وجد نفسه وسطهم
كانوا يتحدثون عن حبيباتهم
فلم يحتمل الصمت
ولم تكن لديه حبيبة يحدثهم عنها
اشتهى أن يحكى لهم عن جنية تعاشره
فبينما كان يسير فى الجبانة
يجمع كعكا وفاكهة
ـ كعادته كل خميس ـ
سمع عجوزا ترجوه أن يسقيها
فألقى الصفيحة فى البئر
وبينما كان يخرجها بعناء غريب
فوجئ بجميلة تجلس فوقها
أفلتها صارخا
وهوت الصفيحة في القاع
لكن الصبية كانت ممسكة برقبته
وقبل أن يحدثهم عن قبلاتها
وعقد زواجهما الذي أخرجته من تحت جفنها
نظر حوله فلم يجد أحدا
نادَى
جاوبته أصوات غريبة
وقبل أن يكمل آية الكرسي
هرول هاربا
وخرجوا من مخابئهم يضحكون
بينما يتطلعون في غيابه
ويمجدون نوادره .
* (من مجموعة الخيط في يدي القاهرة 1997