بقلم : أحمد بهاء الدين شعبان

ما زالت فصول المؤامرة على أمن واستقرار مصر، والتهديدات التى تُحاك بمعرفة جماعة الإخوان الإرهابية ومشايعيها من عصابات التكفير والتخريب، تترى أمام أعيننا.

وهى مؤامرات تتم -عيانا بيانا- بالتعاون مع عديد من أجهزة الاستخبارات الغربية والاستخبارات التركية والقطرية… وغيرها، ويفضح هذه العلاقة اجتماعات ما يسمّى بـ«التنظيم الدولى» الذى يرتع تحت عباءة كل من يسعى لإلحاق الضرر بمصر، إذ لا يكاد أسبوع يمر دون أن يجتمع فى قطر أو تركيا أو ألمانيا أو إنجلترا، ومشمول بعناية الأجهزة الأمنية لهذه الدول، نفرٌ من أعضاء هذا التكوين المشبوه من قيادات الجماعة الذين يحملون جنسيات دول عديدة، ومعظمهم من الهاربين إلى الخارج، لمناقشة خطط زعزعة الأوضاع فى وطننا، وكيفية إشاعة الفوضى فى ربوع بلادنا، وبثّ الرعب والهلع فى نفوس أبناء شعبنا، وصولاً إلى تحقيق الحلم المستحيل، أو وهم إعادة عقارب ساعة التاريخ إلى الوراء، واسترجاع «مُلك مصر» المفقود، بعد أن أطاح شعب 25 يناير 2011، وفى 30 يونيو 2013، بكل ما سعت الجماعة، وحاربت بلا هوادة من أجل تحقيقه والفوز به، على امتداد ال85 عاما الماضية!

والذى يتابع تطور رؤى هذه الجماعات المجرمة، يُدرك أنها هربت من حقائق اللحظة الراهنة القاسية، إلى التهويم فى «عالم افتراضى»، تعبر عنه أفضل تعبير قناة «الجزيرة» وأخواتها، ومواقع التواصل الاجتماعى التابعة لتيارات التضليل الدينى وصحفها، وهو عالم مفارق تماما للواقع، يعيش على إيهام «اللقطة» أو «الصورة»، حيث يتم تثبيتها على لحظة معينة، ثم تعميم هذه اللحظة لخداع الرائى، باعتبار أن هذه اللقطة هى كل المشهد، وهى تعبير حقيقى وليس مختلقا عن الواقع فى البلاد، كأن تُبَثّ لقطة من تجمّعٍ لبضع عشرات من العصابات المأجورة، فى شارع واحد من آلاف الشوارع فى مصر، فى إحدى المناطق النائية، وهم يرفعون «شعار رابعة» مثلا، ويهتفون ببعض الهتافات البذيئة، قبل أن يفرّقهم المواطنون الأسوياء الغاضبون على الجماعة الإرهابية وأفعالها، حتى قبل وصول قوات الأمن، ثم يُشار فى تعليق المذيع إلى أن مصر «تنتفض» ضد «حكم العسكر»، وأن «ثورة» الجماهير الغاضبة ترجّ البلاد رجًّا، فينقل «رسالة» وهمية كاذبة، تتلقّفها عناصر مغسولة الدماغ فى الداخل، وآخرون موتورون ومرتزقة فى الخارج، كى يملؤوا بها الدنيا ضجيجا، حتى ليتصور مَن يراها أن جحافل جموع الإخوان وأنصارهم، بل وشعب مصر كله، قد خرجوا من كل فجٍ عميق، يجتاحون ميادين مصر فى كل الأرجاء لإسقاط النظام الذى هو راحل لامحالة… وهكذا دواليك!

وكما يعرف المشتغلون بالشأن العام، أو علوم الاتصال الجماهيرى والسياسى، فإن شهادة وفاة أى فريق سياسى يريد أن يرتبط بالناس، وأن يُشكّل ظهيرا جماهيريا يتفاعل مع ما يطرحه من رؤى وما يقدّمه من أفكار، هو صدق ما يُقدمه لجمهوره من برامج وتصورات، تؤكدها الوقائع والحقائق على الأرض، وليس فقط الادعاءات والأوهام التى يسهل إطلاقها وتعميمها من أى منصة إعلامية: الفضائيات مثلا، أو أى صفحة على «فيس بوك» أو ما شابه، ثم سرعان ما يتضح خواء محتواها وزيف مضمونها، لأن الجماهير، خصوصا بعد الثورات والانتفاضات الكبرى، يرتفع وعيها السياسى ارتفاعا شديدا، وتكتسب خبرات ومهارات يحتاج اكتسابها، فى الظروف العادية، إلى سنوات وربما عقود طويلة، ومن هنا فهذه الجماهير التى تسمع وترى مزاعم الجماعات الإرهابية، ورموز منظمات التكفير والتدمير العميلة، وتشاهد ما يروّجون له من تُرّهات لا أساس لها فى الواقع، تكتشف بسهولة بطلان هذه الادّعاءات، وتنفض عن مصادرها، وتدير ظهرها للمروّجين لها.

غير أن «الجماعة» الضالة وهى تفقد كل شىء، تحوَّلت إلى كائن مُشوَّه ومسعور، ينهش كل ما يجده ومن يجده فى طريقه، إذ لم تعد قادرة على التفكير العقلانى الرشيد الذى يُقيِّم المسار ويصحّح الاتجاه.

لقد أصبحت جماعة الإخوان محكومة بمصير تراجيدى لا مفر منه يقودها إلى مزيد من الولوغ فى الدم والخراب، والتورط فى العمالة الصريحة، والسقوط فى بئر الخيانة الوطنية الذى لا قرار له، والانزلاق إلى مزيد فمزيد من الانفصال الكلى عن الواقع، والعيش الهزلى فى «ديكورات» تشبه الواقع، لكنها -بالقطع- لا تقترب منه أو تعكسه، أو تتماس مع الجانب الموضوعى فيه!

ولكى تحافظ «الجماعة» على وجودها فى المشهد السياسى الذى تبتعد عنه يوما بعد يوم، ولمحاولة إحكام السيطرة على عناصرها، ثم للحفاظ على مصادر التمويل التى تعتاش على تدفقاته النقدية الضخمة، القادمة من الخارج، فهى مُطالبةٌ باختراع مناسبات كل أسبوع. والواضح أن الجماعة تستهدف من كل مناوراتها ومؤامراتها، استنزاف جهود الدولة، وشغلها عن تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى والاقتصادى المرجو، أملا فى استثارة جموع المصريين الذين يعيشون ظروفا بالغة التعقيد والصعوبة، وسعيا إلى استغلال أى فرصة لتأزيم الأوضاع، ودفعها إلى الانفجار، طمعا فى ركوب الموجة، وتوجيه رياح الغضب من أجل تحقيق غايتها الخبيثة فى الوثوب على السلطة، مرة أخرى، كما حدث بعد عام 2011، ومن هنا ندرك لماذا حاولت الجماعة إفشال «خارطة المستقبل» التى قطعت مصر ثلثيها بتنفيذ استحقاق صياغة الدستور، وانتخاب الرئيس الجديد، وباقى الثلث الأخير: انتخاب البرلمان الجديد الذى يعنى بوضوح اكتمال ملامح الشرعية الجديدة، وإسجاء نعش «الجماعة»، وتنظيمها الخاص، وتنظيمها الدولى، وأسطورتها المزيّفة، وأموالها التى بلا حد، وكل ذكرياتها الدامية، فى لحدٍ لا قيامة لها منه، إلى الأبد!

ومع مرور الزمن، واكتشاف الجماعة الإرهابية لابتعاد حلمها الوهمى، شيئا فشيئا عن إمكانية التحقق، تتجه فى حالة من الخبل الذى يقارب الجنون، إلى البحث عن أى مدخل لمعاقبة الشعب المصرى.

ولعل هذا هو السبب فى آخر «إبداع» دموى للجماعة بالدعوة إلى ما يسمّونه «ثورة» 14 أغسطس، فى ذكرى فض الاعتصامين المسلحين فى ميدانى «رابعة» و«النهضة».

فهى تحاول من خلال هذه الدعوة الادّعاء بأنها ما زالت رقما صعبا لا يمكن تجاهله.

وليكن يوم 14 أغسطس هو آخر نفثاتها وهى تحتضر، وصرختها البائسة اليائسة الأخيرة، وهى تهوى إلى مثواها الأخير: مزبلة التاريخ!