سهير شكرى وثنائيات الوجع
دراسة نقدية حول “أحلام الأفق الغائم” للكاتبة سهير شكرى
مجموعة قصصية رائعة لأديبة كبيرة تجنح إلى الرمز لتسقط إيقاعاتها على واقعها، ولنعيش معها فى ثنائياتها الموجعة
نلتفت إلى عنوان المجموعة “أحلام الأفق الغائم” بكل ما يثيره هذا العنوان من تجلى الحلم خلف الغيوم على مسرح الأفق، لنعيش فى هذه الثنائية المتناغمة رغم تناقضها (الحلم + الغيم = الحياة)
إيقاعات الكلمات المشعة تلقى بظلالها على مشاهد المجموعة تذكرنا بكتابات الرومانسيين الحالمة مع أصالة صوتها الشاعرى، عبرت عن معاناة المرأة الطفلة والزوجة والأيم والمعقوقة والمغتصبة والمحبة العاشقة، كما عبرت عن معاناة مجتمعها على السواء، ولا يفوتنى أن أقوم بإطلالة حول بعض النصوص التى تناولتها الكاتبة الرائعة
• أبراج الصمت: تتجلى المأساة فى ثنائية مشاهد الأمومة الثكلى مع العنتيل الطاغية، هى مشاهد فى قمة التناقض تجسد الأم والمعاناة عندما تكون أمنيات الحيارى والمعذبين مجرد الحصول على قبر… ونلاحظ أن الخطاب يندرج فى مستويين خطاب فصيح للسرد وخطاب متقعر منولوجى أو من العنتيل (وهو نقطة الضعف الوحيدة فى هذه القصة من وجهة نظرنا، وكنا نتمنى أن يكون خطابا باللغة الدارجة العامية) ولكن هذه الملاحظة لا تخرجنا عن صدق المشاعر وجمال التعبير وروعة الصور القصصية الشاعرية، ونلاحظ كذلك تعدد المستوى الدلالى فثنائية (الأمومة والطغيان) تضم ثنائيات مسكوت عنها مشار إليها، وتتسع لتشمل (الخاص والعام، الإنسان والقدر، الحلم والواقع) وتتسع لنرى فيها كلمات الأديبة التى تحملها على ظهرها كمسيح يحمل صليبه، هذه الكلمات التى يرفضها مجتمع عنتيل يرفض حتى أن تقبرها، فقبور الكلمات قد يصبح مزارا لينطلق عبقها وسط بخور الأولياء… لم يرض العنتيل إلا بأن تكون كلمات الكاتب داخل بطون الطيور الجارحة
• القهر همسا: نمضى مع ثنائيات الكاتبة، نحن هنا فى ثنائية (العجز والقهر) عجز الفقير الذى يقع فى عجز القهر، وثنائية الفساد (الإقتصادى بالفقر، والسياسى بالقهر) وثنائية (القهر الفردى والقهر المجتمعى)
• سائق ومسوق: ثنائية الإنسحاق والجبروت، الشعب والحكومة، الحلم والكابوس…
• دراجة بثلاث عجلات: ثنائية الأمل والإنسحاق، ثنائية الفقر فى الوطن والذل خارجه، وبينهما وحدة الحب الرومانسى على صوت فيروز الملائكى وفى مونولوج الكاتبة الرائع المتدفق بالأمل والحزن معا فى بساطة عذبة موحية “كلنا اليوم فى انتظارك، أنا وحلمى والسماء والبحر والأشجار، نستقبلك جميعا بالأحضان الدافئة والملابس الراقصة….”
• بلطجة: رائعة جدا لولا كشفها لما كان لا ينبغى لها أن تكشفه “فلم تعد تهرب خلف الكراسى إذا سرقت اللحم” وبدون هذه الجملة لتعدد المستوى الدلالى للنص
• فأرة وقطط: ثنائية الأنثى والرجل، المجتمع الحالم العادل والمجتمع الذكورى البغيض، الضعف والقوة، الأمل الحالم والواقع الحزين الذى يرصد الكاتبة فى كمية الأدوية البغيضة … وبين كل ذلك وحدانية القط الذى يتجلى فى شتى الصور وكأنه قط وحيد يتجلى فى الأب والزوج وزملاء العمل الذكوريين، وحدانية الجحر
• ونيس: تجسيد لمأساة امرأة مصرية تتكرر وتتجدد فى مجتمعنا، وأجادت الكاتبة فى وصفها فهى اليتيمة الأيم المعقوقة فى كلمات رومانسية حزينة، وهذه القصة لا تمضى فى إطار الثنائيات وإنما تطل علينا من وحدة المأساوات
• إدمان: أجادت وصف مشاعر المرأة المصرية حينما تفقد شريك حياتها، أجادت حتى أبكتنا من ثنائية حزنها الدفين المعلن معا ومشاعر الآخرين التى تراها الأيم فظة دائما مهما كانت طبيعية!!! حتى أقنعتنا الكاتبة أن كل الناس يراقبونها، وما الأمر غير أنها هى من تراقب نفسها، الكاتبة تشير إلى محنة المرأة المصرية عندما تفقد زوجها، ويكون همها أن تفقد أنوثتها لتصبح كائنا غير أنثوى، هى تموت بموت زوجها لتبعث بعثا آخر!!! ونهاية القصة أكثر من رائعة تشير إلى تجسد مشاعرها فى واقعها الذى تبغضه رغم مشاركتها فى تدشينه
• ليلة العمر: أجمل ما فيها مفارقة نهايتها التى لم نتوقعها وسط هذه النصوص الموجعة، ولكننا عندما ندقق فيها فسنجد وجعا من نوع آخر، فكما تعلمنا من أرسطو فالفضيلة وسط بين متناقضين
د خالد البوهى