ملك حفني ناصف أديبة ومثقفة مصرية، كانت أول من جاهرت بدعوة تحرير المرأة والمساواة بينها وبين الرجل ، إنها ” ملك حفنى ناصف ” أو كما يطلقون عليها ” باحثة البادية ” .
نشأة ملك حفني ناصف وتعليمها
ولدت في حى الجمالية بالقاهرة عام 1886م وهي كبرى سبعة أبناء للشاعر المصري حفنى ناصف القاضى ، وقد بدأت تعليمها في المدارس (المكاتب) الموجودة آنذاك وبعضها فرنسي، ثم التحقت بالمدرسة السنية رغبة من والدها الذي أراد أن يخرج عن عادة الوجهاء في ذلك العصر. وبهذا شجع والد ملك زملاءه على الاقتداء به بإلحاق بناتهم إلى التعليم، وكانت سنة 1900، هي أول سنة تقدمت فيها الفتيات لأداء الامتحان للحصول على تلك الشهادة واعتبرت ” ملك ” أول فتاة مصرية تحصل على الشهادة الإبتدائية ، ثم انتقلت إلى قسم المعلمات بالمدرسة نفسها، وكانت أولى الناجحات في عام 1903. وبعد تدريب عملي على التدريس مدة عامين تسلّمت الدبلوم عام 1905.
بعد تخرجها من المدرسة السنية عملت بالتدريس في المدرسة نفسها ، ثم تزوجت عام 1907م من أحد أعيان الفيوم ، هو “عبد الستار الباسل” شقيق “حمد الباسل” .
وفي تلك البيئة عرفت عن قرب الحياة المتدنية التي تعيشها المرأة، ومن ثم أوقفت نشاطها على الدعوة إلى الإصلاح وتحرير المرأة بما لا يتعارض مع الدين أو التقاليد .
ملك حفني ناصف باحثة البادية
تفجّرت مواهب “ملك” الأدبية في أثناء دراستها، وجرى الشعر على لسانها وهي في سن مبكرة، فنشرت بعض آثارها الشعرية في جريدة “المؤيد” للشيخ “علي يوسف”، ثم دعاها الشاعر الكبير “مطران خليل مطران” إلى الكتابة في مجلة “الجوائب المصرية” التي كان يصدرها، فنشرت قصيدة وهي في السابعة عشرة من عمرها تأسى فيها لوضع الشرق وتتألم من حاله المتردي، وقد أثارت القصيدة إعجاب الشاعر، ورأى فيها نزوعا إلى الإصلاح والتجديد.
وعندما أُعلن عن مشروع الجامعة المصرية كانت “ملك” الآنسة الوحيدة التي ألّفت لجنة لدعم المشروع الكبير، وجمعت قدرًا من المال حتى يتحقق أمل البلاد بظهور جامعة حديثة.
ومن ثم أصبحت أشهر فتاة في العقد الأول من القرن العشرين. وشجعها أحمد لطفى السيد أن تكتب تحت عنوان “نسائيات” في جريدة “الجريدة” ، وقد سميت ملك بـ( باحثة البادية )؛ لأنها كانت توقع مقالاتها في الصحف بهذا الاسم . إشتهرت في كتاباتها وندواتها ومحاضراتها بالحس الديني والتوجه الوطني ، وأصبحت شاعرة وأديبة وصحفية .
ولقد ساعد الحس الديني لدى “باحثة البادية” على أن تتجنب الإنزلاق في خصومة مع الرجل وتنادي بحرية المرأة. كذلك ساعدها التوجه الوطني على الإنجياز لقضايا الرجل وحرية الشعب. وقد ورثت هذا التوجه عن والدها “حفني ناصف” الذي كان مؤيدا لسعد زغلول ، فعندما إتهم الإحتلال “سعد زغلول” بتشكيل جمعية سرية تحت إسم “جمعية الإنتقام” وقاموا بحبسه وإضطهاده ، كان معه “حفني بك ناصف” .
كما أنها عندما عملت بالتدريس في مدرسة السنية ، فى وقت كان العمل بالتدريس غالبا للفقراء والمحتاجين ، فكسرت “باحثة البادية” هذا العرف السائد لغالبية الشعب من الفقراء والمحتاجين.
وقالت إن الوعي السياسي عند المرأة لا يقل عما عند الرجل، وهاجمت قانون المطبوعات بقصيدة ملتهبة ، وكانت أولى المناضلات من أجل قضية المرأة، وتأثرت بالحركة الفكرية التي ظهرت في مطلع هذا القرن والتي قادها الشيخ محمد عبده وأحمد لطفى السيد وسعد زغلول وقاسم أمين .
وعندما إعتدت إيطاليا على طرابلس الغرب سنة 1911م ، شكلت “باحثة البادية” جمعية قريبة الشبه “بجمعية الهلال الأحمر” التي قامت بإرسال المعونات من ملابس وأغطية وأدوية والإعانات المالية لضحايا العدوان الإيطالي.
ومثلت مصر في مؤتمر عام 1911م. وقد تناولت سيرتها هذه كاتبة إنجليزية “شرلوت كمرون” في كتاب بعنوان “شتاء إمرأة في إفريقيا” وركزت على إهتمام باحثة البادية بالقضية المصرية.
الوصايا العشر
أما وصاياها للمرأة فقد تمثلت فيما يلى :
الإقتراح الأول: ضرورة أن تذهب النساء في المدن والقرى لحضور الصلاة وسماع الوعظ في دورالعبادة ، وأن تتمسك المرأة بحرية التصرف في مالها ، وحرية الإمساك بالمعروف أو التسريح بالإحسان وحرية الرأي.
الإقتراح الثاني: التمسك بأن يكون التعليم الأولي إجباريا ، وعلى الجمعيات الخيرية وأغنياء الأمة تعليم الفقراء من بنات الامة وأبنائها .
الإقتراح الثالث: التمسك بتعليم الدين
الإقتراح الرابع: تعيين سيدة مصرية رشيدة في كل مدرسة للبنات لمراقبة الفتيات في أخلاقهن وسلوكهن.
الإقتراح الخامس: توسيع نطاق مدارس الممرضات وتعليم النساء مهن الطب بدرجة تساوي درجة تعليم الرجل ، كما يجب أن يكون في كل قرية طبيب وممرضة.
الإقتراح السادس: الإكثار من المستشفيات الخيرية والصيدليات للمريضات من النساء والأطفال.
الإقتراح السابع: تمسك النساء والبنات بضرورة محاسبة كل رجل يخرج على الآداب مع المرأة والفتاة في الشوارع.
الإقتراح الثامن: ألا يتزوج الرجل على إمرأته ولا يطلقها إلا بإذن المحكمة الشرعية.
الإقتراح التاسع: على المرأة المصرية أن تتعلم التفصيل والتطريز وتربية الأطفال والخدمة الوطنية .
الإقتراح العاشر: منع النساء من المشي في جنازات نهائيا ، ومن التجمع للندب واللطم والصراخ والتعديد ( وهذه العادات كانت منتشرة فى مصر فى ذلك الوقت ).
انجازات ملك حفنى ناصف ودعوتها للإصلاح
أسست «اتحاد النساء التهذيبي» فضمّ كثيرًا من السيدات المصريات والعربيات وبعض الأجنبيات، وكان هدفه توجيه المرأة إلى ما فيه صلاحها والاهتمام بشؤونها، كما كونت جمعية لإغاثة المنكوبين المصريين والعرب «وهو أساس لما عرف فيما بعد بالهلال الأحمر»، وأقامت في بيتها – وعلى نفقتها الخاصة – مدرسة لتعليم الفتيات مهنة التمريض، وكفلت لهذه المدرسة كل احتياجاتها، ومثلت المرأة المصرية في المؤتمر المصري الأول عام 1911 لبحث وسائل الإصلاح، وقدّمت فيه المطالب التي تراها ضرورية لإصلاح حال المرأة المصرية ، وقد ارتكز برنامجها الإصلاحي على: تعليم البنات الدين الصحيح، ودفعهن إلى الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي، كما دفعت باتجاه إصلاح المرأة وجعلها تأخذ مكانها اللائق في المجتمع.
تحدى الغرب
كانت تدور في مصر معركة قلمية بين دعاة التحرر الغربي وأنصار الحجاب ، فدفعت ملك حفني اعتراضات دعاة التحرر الغربي بآيات من القرآن الكريم ونصوص من السنة، وفنّدت آراء الذين يُرجعون تأخر الشرق إلى التمسك بالحجاب ببراهين وأدلة عقلية، مثل قولها:”إن الأمم الأوروبية قد تساوت في السفور، ولم يكن تقدمها في مستوى واحد، فمنها الأمم القوية، ومنها الأمم الضعيفة، فلماذا لم يسوّ السفور بينها جميعا في مضمار التقدم، إذا كان هو الأساس للرقي الحضاري كما يزعم هؤلاء.
دعوة لتعليم المرأة
درست الكاتبة البيئة المصرية، وتألّمت لتخلف المجتمع المصري وانحطاطه، وأدركت أن أكبر داء يفتك به هو الفقر والجهل والأميّة، وأنّ الوسيلة الوحيدة لتحرير المرأة هي تعليمها وتهذيبها، وأيقنت أنّ السنوات الأولى من عمر الطفل هي الحاسمة في تربيته وتوجيهه، وأنّ للأم الأثر الأساسي في ذلك، فقد دعت الفتاة إلى دراسة مبادئ التربية. وبينت أثر العلم في سعادة الأسرة. وذكرت باحثة البادية في خطبها وسائل إصلاح المرأة، وما يجب أن تتعلمه، وكتبت كثيراً عن الزواج وأسباب إخفاقه وما يتصل به.
أعمالها الأدبية
ولباحثة البادية كتاب «النسائيات»، وهو مجموعة مقالات اجتماعية، أعجب به كثير من النقاد، لما فيه من نزوع إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية ولاسيما حال المرأة الشرقية، وعدّ بعض الكتّاب باحثة البادية في طليعة كاتبات عصرها وأستاذة المربيات.
وأثنى الأدباء على أسلوبها، وقالوا: إن نثرها مرآة صادقة لعاطفتها المتوهجة، وعقلها الرصين. وتتجلى العاطفة الدينية عندها ممتزجة بالمعاني القومية والاجتماعية والوطنية في كل ما كتبت.
كانت اللغة في يد باحثة البادية أداة دقيقة ماهرة للتعبير عن أفكارها ومشاعرها بإيجاز بليغ. وكان أسلوبها سهلاً ممتنعاً يتسم بالدقة والوضوح والجزالة وألفاظها رشيقة جذابة ذات جرس موسيقي عذب، وقد استمد أسلوبها جماله العربي، وفصاحته واستقامة ألفاظه من القرآن الكريم.
كما كانت باحثة البداية خطيبة شهيرة، وهي أول امرأة تبرز في الخطابة في العصر الحديث وكثير من مقالاتها كتب بأسلوب خطابي، وكانت خطبها محاضرات إنسانية اجتماعية قيمة.
– أورد لها كتاب «آثار باحثة البادية» العديد من القصائد، وفي كتابها «النسائيات» قصيدة واحدة .
وقد انشغل شعرها بقضايا المرأة الاجتماعية كالزواج والطلاق والسفور والحجاب، والتحررية كالمساواة والتعليم والعمل وما إلى ذلك، ولها شعر في الحث على التمسك بالدين سبيلاً لإحراز الفضيلة، وحيازة الحميد من السجايا والصفات، كما كتبت في رفض التبرج، والخضوع بالقول، ولها شعر في الرثاء، وكتبت المطارحات الشعرية العائلية التي كانت تدور بينها وبين والدها.
ولها مطارحة مع شوقي ردًا على قصيدته «بين الحجاب والسفور».
ولها شعر في الدعوة إلى الاقتصاد، ورفض الظلم، والثورة على تعطيل القانون.
رحيل باحثة البادية
عاشت “ملك حفني ناصف” إثنين وثلاثين ربيعا من عام 1886م وتوفيت في عام 1918م بمرض الحمى الاسبانية.
وقد أقيم أكثر من حفل لتأبينها، في مقدمتها حفل الجامعة المصرية (جامعة القاهرة) الذي افتتحته هدى شعراوي بخطبة، وألقى فيه الشاعران حافظ إبراهيم وخليل مطران مرثيتين لها، وعدد آخر من الخطباء والشعراء.
كما أطلق اسم باحثة البادية على عدد من المدارس المصرية في عواصم المحافظات، وكذلك في العواصم العربية، ومنها روضة باحثة البادية في مدينة الكويت.