فوق الرَّصيفِ أراهُ يجلسُ
خلفَهُ بحرٌ تجرَّدَ من ملابسِهِ العتيقةِ
باسطًا فوق الرِّمالِ ملامحَ الإعجابِ
يَنظُرُهُ ويَبسِمُ يا لِهذا الشِّيخِ
يبسُطُ كَفَّهُ بالحَبِّ .. لا .. بالحُبِّ
تعرفُهُ النَّوارسُ قبل مَقدَمِهِ
تحلِّقُ حولَهُ .. وكأنَّهُ الأبُ عائدًا
من رحلةِ الأيامِ كي ما يمسحَ الأحزانَ عنها
كي يُعالجَ في جَناحَيها جُروحَ الرُّوحِ
ما قد مَزَّقَتهُ الرِّيحُ . .
أنيابُ الحَدِيدْ
..
رجلٌ ملابسُهُ تَدُلُّ على نِزالٍ
كان يحدثُ بَينَهُ وبَينَ أزمنةٍ عِجَافٍ
كُلُّ ثُقبٍ في الرِّداءِ كأنَّهُ عينٌ
قدِ احْمَرَّتْ مِنَ السَّهَرِ الطَّويلِ
وتحتها قد خَطَّتِ الأَيَّامُ هَالاتِ السَّوادِ
ملابسٌ جمعَتْ رَمَادَ العُمرِ
تَتَّقِدُ ابْتِسَامًا مثلما
شَفَةٌ لأُنثَى مِنْ رُخامٍ أو جَلِيدْ !!
....
فوقَ الرَّصيفِ كأَنَّهُ مَلِكٌ تُحَلِّقُ حولَهُ طيرٌ مُذَهَّبةٌ
وأمواجٌ مُسَوَّمةٌ تُبَلِّلُ خُفَّهُ المصنوعَ من جِلدِ الهواءِ
فيا لِرُوحِ الشَّيخِ أُبصرُ ضوءَها عبرَ الزُّجاجِ
كأنَّها غيمٌ وهذا البحرُ يرضَعُ شُهدَها
فيصيرُ عذبًا بينما أَحيَا بروحٍ من أُجاجٍ
صَكَّني الحزنُ القديمُ كأَنما قد أَرضَعَتني ذِئبَةٌ
وشَرِبتُ من دَمِها الحليبَ
وعِشتُ خلفَ الظِّلِّ لم تَرِثِ العُروقُ
سِوى سحابٍ من دُخانْ !!
....
إنِّي لأحلُمُ كُلَّ يومٍ أَنَّني المصلُوبُ
تفقأُ عينيَ الغِربانُ
تأكلُ رأسيَ الطَّيرُ المُخيفةُ . . سيِّدِي ،
ما قَيمةُ الدَّمِ في انْكِسَارِ الرُّوحِ ؟!
بل ما قِيمةُ التِّيجَانْ ؟!