77195da3-0955-4dc4-8196-8485a69afac3_16x9_600x338

حسب ما ذكرته “العربية.نت” إذا كان هناك من طفل يمكن أن يتسبب في خيبة الأمل لعائلته فلا شك أن أحمد رحيمي سيكون أولهم، ففي سن الـ5 اشتكى أحد المعلمين لوالد رحيمي أن ابنه يتصرف في الصف كما لو أنه ملك. وفي المدرسة الابتدائية قام بكسر أنف أحد زملائه، وجاءت المرحلة العليا لتحمل الأسوأ عندما قام والده بالتحضير لتزويجه من فتاة أفغانية حسنة التربية من كابول، في حين أقدم أحمد على مواعدة فتاة أخرى من جمهورية الدومينيكان، وانتهى بها إلى أن تصبح حاملاً وذلك في سنتها الأخيرة من الدراسة، بحسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”.

في البدء فإن أحمد لم يصبح أميركياً إلا لأن والديه هاجرا إلى نيوجيرسي بعد أن كان والده مقاتلا ضد السوفييت في الثمانينات. وخلال السنوات الأخيرة، وهو يشعر بخوف يغلف حياته، فقد قضى أحمد الساعات وهو يشاهد الفيديوهات بالإنترنت، تلك التي تصور الجهاد العنيف، وتظهر شخصيات مثل بن لادن والعولقي والعدناني، وغيرهم من الرجال الذين لايحتاج المرء لأن يذكر اسمهم الأول.
ويقول والده إنه طلب من ابنه أن يتوقف عن ذلك.. “لابد أن توقف ذلك”.. كررها أكثر من مرة، محاولا إنقاذ ابنه الذي جاء بين ثمانية من الأطفال في الأسرة.
وقال له: “أنت لا تعرف إن كانوا مسلمين حقيقيين أم لا، أنت لم ترهم في الواقع، وليس لديك ما تفعله معهم”.
لكن هذه النصائح لم تنفعه أبدا، ففي سن الـ28 كان قد اتهم في الأيام السابقة بتفجيرين في نيويورك ونيوجيرسي وسلسلة من المحاولات الأخرى، ولم تجد توسلات رحيمي لابنه الثاني بعد البكر، والتوضيح له، بأن الانبهار بهذه الأشرطة “الجهادية” ما هو إلا نوع من المرض، يضاف لذلك ما قام به مكتب التحقيقات الفيدرالي من تحقيق مع أحمد بدأ ثم أغلق في 2014 على خلفية طعن أخيه نسيم في قدمه اليسرى نتيجة لخلاف على ممتلكات وأمور مادية، وحيازة سلاح ناري بدون ترخيص.

82649ced-aac6-4356-875f-766b16d99a5b

وبشكل أو آخر فإن قصة أحمد تشبه قصصا كثيرة لأولئك الذين قاموا بعمليات إرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا، من أولئك الساخطين من أبناء الجيل الأول من المهاجرين الذين وجدوا أنفسهم بين عالمين لم يستطيعوا المواءمة بينهما، ولم يحققوا معنى لحياتهم، وتم جرهم إلى عالم مليء بالوعود الغيبية، وذلك يشبه قصة جوهر تسارناييف، أحد منفذي هجوم ماراثون بوسطن 2013 والذي صدر بحقه حكم الإعدام، وقد أقدم على فعلته وهو طالب في السنة الأخيرة بالمدرسة الثانوية.
غير أن قصة أحمد تحمل فروقا دقيقة، تعكس الصعوبة في التوافق بين عالم أن تكون أميركيا وأن تنتمي في الوقت نفسه لعائلة محافظة، وهو ما سيطر عليه لبعض الوقت، فالتمرد الحقيقي لم يكن ضد الغرب، بل ضد والده، ذلك الرجل المحافظ المتغطرس نوعا ما الذي كان يحاول أن تدار الأشياء كما لو أنهم مستقرون في أفغانستان.
وفي التخطيط الأخير فقد بدا أحمد رحيمي معزولا ومتناقضا، فليس لديه من شقيق ليقوده إلى الإرهاب كما حدث مع مفجر الماراثون، كما لا توجد خلية إرهابية واضحة تقوم بمساندته، أو زوجة متطرفة، كما في حالة الزوجين اللذين قُتلا في اطلاق نار في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا في ديسمبر الماضي، كما لا يوجد من انتماء واضح للقاعدة أو داعش، رغم أن أحمد كان يثني على الفريقين وقد وجد ذلك في دفتر ملاحظات عثر عليه معه. ذلك الدفتر الذي يجسد أيضا رعبه، أنه سوف يعتقل قبل أن يكمل مهمته.

0387c2bf-32d2-4c3c-a4fe-3ec997361d94
اعتقال احمد فى 19 سبتمبر

ما الذي غيّر اتجاه أحمد؟
والسؤال ما هو الذي غيّر اتجاه أحمد من كونه مهرج الصف في المدرسة والرجل الذي كان حلمه ذات يوم أن يصبح ضابط شرطة أو مترجما مع الجيش الأميركي إلى أن يصير متهما بتدبير واحدة من أخطر الهجمات في نيويورك مؤخرا منذ هجوم 11 سبتمبر. وهذا ليس إلا سؤالا ضمن أسئلة أخرى معلقة. لكن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يتجلى بوضوح من خلال اللقاءات مع والده وأصدقائه أنه وجد الطريق إلى عالم الإرهاب من خلال الإنترنت، في وقت لم يكن فيه من سوء في حياته، ويبدو أن الصورة كانت غير ذلك.
كانت حياة أحمد تمضي عصية، في مقابل شقيقه علي الذي تخرج من الكلية، وعمل في شركة “أوبر” للتقنية وهي شركة مهمة في أميركا. وقد فشل أحمد في كل شيء تقريبا، بعد أن حاول العمل في عدد من الوظائف ولم يحقق نجاحا، إلى أن عثر على هدف واحد يمكن أن يجعله سعيدا وهو الهروب من أسرته، بعيدا عن العمل في قلي الدجاج بمطعم العائلة الذي كان متخما بالإهانات وتراكم القضايا أمام المحاكم الصغرى، كتلك القضية التي اشتكى فيها أحد الجيران أنه تعرض لاحتيال مالي من أحمد، في خدعة تحويل أموال عبر البنك.

ومن الجلي أن هناك خطين في حياة أحمد، قبل مشاهدة الأفلام الجهادية وبعدها، حيث حصل التغيير الجذري في حياته. قبلها في سنوات المراهقة كان صبيا مجنونا، يرتدي الجينز الفضفاض، ومهووسا بالظهور وكان يعشق إحدى الفتيات دبج لها قصائد الحب. وفي مقابل ذلك فقد أرهق الوالد المحافظ، الذي كان يفكر في إرسال ابنه إلى أفغانستان لكي يؤدبه ويعيده إلى جادة الطريق وليس بفكرة أن يقوده ذلك إلى التطرف. وبالفعل في أبريل 2013 ترك أحمد لقرابة السنة في باكستان، وخلال وجوده هناك سافر إلى تركيا وأفغانستان وفقا لمسؤولي الهجرة في باكستان والولايات المتحدة.
وأثناء وجود أحمد في منطقة كويتا بباكستان مع أحد الأقارب، فقد بدا ذلك القريب في التضايق من تصرفات الشاب الذي سقط تحت سيطرة رجل دين متشدد في كويتا يدعى الملا قادري، وبعدها عاد إلى أميركا لكن ثمة تغيرا خطيرا يحدث معه، فقد دخل ذات يوم المنزل غاضبا بعد بضعة أشهر من عودته وقام بطعن والدته وأخيه وأخته، وانزعج والده لذلك الأمر، حيث قام بإبلاغ الشرطة الفيدرالية الأميركية، ومن ثم أغلق التحقيق، حيث حاول التصالح مع ابنه، ونسيان الكثير من الأمور السيئة التي تحدث بسبب الابن، وهذا أمر عادي في العائلات الأفغانية، فعلى الأب أن يغفر دائما.
وبعدها بدا كما لو أن الأمور سوف تتحسن، حيث إن أحمد وافق على تولي أمر مطعم العائلة، وانتقل للعيش في غرفة بشقة العائلة في الطابق العلوي من المطعم مباشرة، ولكن خلال فصل الصيف كان قد وضع قفلا على باب غرفته وهو ما يشير إلى تحول جديد ومهم.

045deac7-5e69-4532-9752-e3279cf17b06
احمد يمين الصورة مع اقاربه

 

 

متاعب المهاجرين
إن قصة عائلة رحيمي تعكس نموذجا لكثير من القصص التي تصوّر أناساً هربوا من تداعيات الحرب في بلادهم، ليعيشوا في المهجر والشتات، فوالده محمد رحيمي ينتمي إلى قبائل البشتون من قندهار الذي انضم للقتال ضد السوفييت في غزوهم لبلاده في عام 1979، عندما كان في الـ16 من عمره، تلك الحرب التي دعمت فيها الولايات المتحدة الأطراف الأفغانية. وقد حارب الأب مع الحزب الإسلامي المؤلف أساسا من البشتون، ومن ثم مع الجماعة الإسلامية التي أسسها برهان الدين رباني الذي أصبح رئيس البلاد أثناء الحرب الأهلية في التسعينات.
في عام 1984 انتقل السيد رحيمي إلى قاعدة عسكرية على الحدود الباكستانية في كويتا، وهي مدينة كانت تعج باللاجئين من ويلات الحرب، التي أصبحت فيما بعد معقلا للمتشددين، حيث استقر مع زوجته نجيبة وأفراد الأسرة الآخرين، وهناك أنجب ابنته الكبرى عزيزة ثم ابنه محمد خان ومن ثم وُلِد أحمد في 1988، وفي عام 1989 عندما كانت نجيبة حاملا بابنهما قاسم، غادر رحيمي إلى نيوجيرسي ليطلب اللجوء، عن معاناته مع الوقت الذي قضاه في الحرب السوفيتية، وقد كان وقتذاك في سن الـ26 وهو يضع الماضي وراءه، بذكريات الحرب وألمها. وفي عام 1995 وصلت نجيبة مع أطفالها الأربعة إلى أميركا، وفيما بعد أنجبت 4 أبناء آخرين.
لم تكن السنوات الأولى سهلة، وهذا يحدث مع كل المهاجرين حيث يأتون في الغالب بحصيلة متواضعة من التعليم، ويجابهون العمل الشاق والأنظمة القانونية المربكة التي لم يعتادوا عليها مع الفرص المحدودة، ومع الازدراء لأي من الأشياء التي من شأنها أن تحض على العودة مرة أخرى إلى الوطن الأصلي. وفي هذا الوضع كان رحيمي يتنقل بعائلته من منزل لآخر، من نيوجيرسي حيث منزل واسع وكبير إلى شقة ضيقة، إلى قرية في منطقة أديسون، ومع الرغبة في العيش بسلام كانت تطل المشكلات من دعاوى صغيرة متكررة إلى خلافات أبنائه مع الشرطة، حيث كان أحمد رأس الرمح في تلك المشاكل.
مطعم الدجاج المقلي
وصل رحيمي منطقة نيويورك ليبدأ عمله في إنشاء مطعم الدجاج المقلي مقلدا لمواطنيه من الأفغان الذين كانوا يعملون بهذه المهنة، منذ أن افتتح أول مطعم في السبعينات وأنتج ما يعرف بـ”كينيدي فرايد تشيكن” وأصبح مشهورا. وفي العادة فإن أي أفعاني جديد يصل أميركا فهو يعمل مع أناس سابقين لهلهم خبرتهم، ومن ثم يؤسسون أعمالهم الخاصة، وبالطريقة هذه برزت العديد من أسماء مطاعم الدجاج المقلي الشهيرة في الولايات المتحدة، ويبدو أن رحيمي كان يتمثل الطريق نفسه.

وفي التسعينات عمل رحيمي على المساعدة في تحضير البيتزا والدجاج المقلي، قبل أن يفتح محله الشخصي الذي كان عبارة عن باب صغير في جدار، وقد أسماه على البلد الذي احتضنه كلاجئ، “أميركا الأول فرايد شيكن”، حيث كلمة أميركا تبدو جلية.. وخلال عامين كان قد انضم إلى سلسلة “كينيدي فرايد تشيكن” الشهيرة في اسبوري بارك. وقلده أقارب له بأن فتحوا مطاعم صغيرة كذلك للدجاج المقلي، وكان أبناء رحيمي يعملون ساعات طويلة في الليل في هذه المطاعم جميعها.
طفولة وصبا أحمد
كانت العائلة قد عاشت لمدة 9 سنوات في منطقة ايفري هيل في نيوجرسي، التي شكلت موقع جذب للمهاجرين من الجيل الأول، وكان أحمد معروفا هناك للجيران وهو يرى دائما بصحبة شقيقه الكبير محمد، الذي يكبره بعامين والمميز بطوله الفارع ونحافته، في حين كان أحمد قصير القامة وممتلئ الجسم وكان ذلك يزعجه نفسيا بعض الأحيان. وكان الشقيقان يردان على تحيات كبار السن وعلى الأصدقاء برحابة، ويذهبان للعب كرة السلة ويقضيان بعضا من الوقت بالحدائق، وهما يتحدثان لغتهما الأصلية البشتو الأفغانية.
وقد سمح أهل المجمع السكني للمسلمين بإقامة مسجد في الطابق السفلي، حيث تم فرشه بالسجاد وتركيب مكيفات الهواء، وسمي بمسجد “ايفري هيلز”، وكان أبناء رحيمي الصغار الذين يرتدون الجينز والقمصان في أغلب الوقت يحرصون على لبس الزي التقليدي الأفغاني في صلاة الجمعة، حيث يأتي الجميع لليوم الأكثر أهمية في الأسبوع.

وذكر أحد الأصدقاء المقربين لأحمد وعرفه لحوالي 15 سنة، رفض الكشف عن هويته، أن أحمد كان مهتما بالسياسة في سنوات مراهقته، وكان ثائرا ضد باكستان وسياستها الاستخباراتية التي يلقى عليها أغلب الأفغان اللوم في ضياع بلادهم، وكان يردد بغضب أن “المخابرات الأفعانية هي التي أوجدت طالبان”.
عائلة المصائب
حوصرت عائلة الرحيمي بالكثير من العنت في الحياة، حتى لو أن المشاكل تبدو تافهة أحيانا، مثلا تسديد مبلغ 242 لفاتورة الغاز المستخدم في قلي الدجاج في يوليو 1998 ولم يقم الوالد رحيمي بتسديدها وتغافل ذلك لمدة ست سنوات، وكان يمكنه تفادي ما أقدمت عليه شركة الغاز برفع دعوى ضده في نهاية المطاف. وهناك قضية أخرى عن رجل ادعى أن أسنانه كسرت وهو يقضم ساندويتش همبرغر بالمحل، وكان ذلك سيكون عابرا لولا أنه جاء بعد أيام قليلة فقط من اعتقال ابنته الكبرى عزيزة بالمدرسة الثانوية، للاشتباه بها في سرقة مجوهرات وعطور بمبلغ 565 دولارا من مخزن تسوق، واتبع ذلك بتقرير نشر في صحيفة عن القضية رغم أنه لم تصدر إدانة واضحة بخصوص ما جرى.
لم يكن عام 2004 سعيدا بأية حال لعائلة رحيمي، فرغم كل مساعي الرجل للنجاح إلا أنه كان تعسا في كسب المال، وعجز عن دفع العديد من مصروفات العمل ما جعله يتقدم بطلب إفلاس في أكتوبر 2005 وهو القرار الذي ينظر إليه أي رجل من البشتون على أنه عار. وقد بلغت ديونه حوالي 46 ألف دولار، لأشياء مثل بطاقة الائتمان وفواتير العلاج وسيارة شيفروليه سوبربان موديل 1999، وادعى أنه يكسب شهريا فقط حوالي 447 دولارا من المطعم تذهب 200 دولار منها لمصروفات أولاده وأن الذي يتبقى للبنك فقط 100 دولار لتسديد الدين.
العلاقة مع ماريا
في هذا الوقت كان أحمد قد أصبح مصدر قلق للأسرة، في حين أصبح له وهو مراهق، مجموعة من الأصدقاء من الفتيات اللائي يحطن به وكان الذكر الوحيد بينهن، وكن ينفخن في دماغه، وسط قلق والده الذي كان عاجزا عن استيعاب الكثير من جوانب الثقافة الأميركية. ومن ثم كانت رحلته الأولى إلى كويتا وهو في السنة قبل الأخيرة من نهاية المدرسة، وكانت أول رحلة له خارج أميركا خلال خمس سنوات، ومكث هناك حتى يناير 2006 ثم عاد إلى مدرسة أديسون العليا، ويقول أحد مجاوريه بالفصل إن أحمد كان ينفق الوقت في إنشاء العلاقات الاجتماعية أكثر من حرصه على حل مسائل الرياضيات.
وفي تلك الفترة تعرف على ماريا مينا، الشابة من جمهورية الدومينيكان لتصبح حبيبته، وكان يقضي معها وقتا في بركة السباحة مع آخرين، وهي تعانقه وتبتسم له بحب يبدو حقيقيا، لكن أحمد خان ذلك بأن جعلها تحمل، وكان السيد رحيمي غاضبا أشد الغضب من هذه العلاقة، لأنه كان يرتب لزواج تقليدي لابنه من موطنه، معترضا أنه لا يمكن أن تكون له صديقة، بينما له خطيبة.
ولم يستجب أحمد لنداءات والده فقد مضى مع ماريا وبحلول العام النهائي من المدرسة كانت قد حملت، وكان المراهقان سعيدين وكل منهما يلمس الآخر ويتحمسان للحب في ممرات المدرسة، وهما كذلك يذهبان للحفلات الموسيقية وفي صورة من أرشيف تلك الفترة تبدو مارينا وهي حامل بابتسامة خجولة وثوب أبيض، في حين يبدو أحمد سعيدا مرتديا سترة وردية لامعة وربطة عنق مع قميص أبيض.
إلى كويتا ومن ثم العودة لماريا
ذات يوم جاء أحمد إلى المدرسة مغاضبا ليخبر زملاءه أن والده سيجبره على العودة إلى أفعانستان بعد التخرج. وبالفعل في يوليو 2007 وبعد إنهاء الدراسة وضع في طائرة إلى باكستان، مخلفا صديقته التي سوف تواجه الحياة وحدها مع طفلهما. وبعد عودته في مارس 2008 حاول أن يعيد العلاقة مع ماريا مرة أخرى وانتقل للعيش مع عائلة ماريا وعمل في وظيفة بشركة كمارت براتب حوالي 485 دولارا في الأسبوع، وكان يرغب في بناء بيته الصغير وأن يكون أبا ناجحا، وبدا فعلا وفق إمكانياته البسيطة، وفي يوليو 2008 وهو في سن الـ 20 أنفق عشرة دولارات لشراء لعبة لطفله، وكان رصيده البنكي 406 دولارات.

بموازاة ذلك استمرت المشاكل القانونية مع عائلة رحيمي الأب، ويبدو كما لو أن التعايش مع المجتمع الخارجي بات صعبا لهم، حيث كانت لقاءاتهم مع الناس تتم في قاعة المحكمة، بفعل الفواتير غير المسددة، وتم اعتقال ابنهم قاسم وهو صغير السن، كذلك تم اعتقال نجيبة الأم، بتهمة إساءة معاملة أحد أولادها وأرسلت إلى فصول تعلم الأمومة. وتعقد الوضع بسجن الابن الأكبر محمد خان وقاسم كذلك في يونيو 2009 نتجية تراكم القضايا والمشاكسات مع المجتمع المحيط.
ظل أحمد غائبا إلى أن عاد للأسرة ليواجه مزيدا من مشاكل العائلة وتوفير الأكل للأطفال وغيرها من القضايا، ثم انفصل عن ماريا في ظل ظروف غامضة، ورغم أنه حاول أن يوجد له موطئ قدم في الحياة مجددا عبر الالتحاق ببرنامج العدالة الجنائية في كلية مقاطعة ميدلسكس، لكنه لم يستمر سوى عامين وفشل في المواصلة. ثم ذهب إلى واشنطن أملا في الحصول على وظيفة مترجم في أفغانستان مع الجيش الأميركي. ولكنه كان لا يعرف إلا لغة البشتو فقط ضمن لغتين رئيسيتين في البلاد. وقال صديق له إنهم رفضوه وقالوا له إن أردت فتعلم اللغة الدارية وهي الأوسع انتشارا من البشتو في أفغانستان.
كانت الأوضاع تتعقد معه وظل يعمل بالليل من الساعة السادسة مساء إلى الثالثة في الصباح التالي، في كتابة السجلات وذلك برويال فرايد تشيكن في إليزابيث، وفي إحدى الليالي كان قد أحضر مع ابنته ماريا التي يسمح له بأخذها حسب القانون في زيارة مبرمجة، لكنه رفض أن يعيدها لأمها وأحدث مشكلة.
وكأن الزمن لم يتقدم إذ عاد أحمد للعيش مع عائلته في شقة بنيوجرسي حيث مطعم الدجاج، وحدثت نزاعات في الأسرة اضطرته لكي يذهب ليعمل في مطعم آخر بالمنطقة نفسها، لكنه بقي يسكن في شقة والده، وفي تلك الفترة وبعدها كان قد بدا يغلق الغرفة عليه حيث قام بتغيير قفل الباب.
الخطة..
في يونيو الماضي بدأ في طلب المستلزمات عبر الإنترنت، من حامض الستريك ولوحات الدوائر الإلكترونية، وقد عثر على مفكرة سجل بها أفكاره، مع أفكار أخرى للعولقي وبن لادن والبغدادي، وكتب مثلا: “إن شاء الله سوف تُسمع أصوات القنابل في الشارع”، و”طلقات البندقية سوف تقتل الشرطة وتنهي الاضطهاد”.
وفي الأسبوع الماضي حدث أن انفجرت القنابل، وكان الأب رحيمي مشغولا داخل مطعم الدجاج المقلي، يحاول إخماد جوع زبائنه، إلى الساعات الأولى من الصباح الجديد، وحيث تكون تلك الساعات هي الأفضل لجمع المال، بعد أن يخرج السكارى من البارات وبطونهم توغوغ.
في صباح الاثنين أغلق رحيمي محله قبل الثالثة، وذهب للصلاة ثم النوم، إلى أن سمع جلبة صاخبة في الخارج، حيث اقتحم ضابطا شرطة الشقة، وطلبا منه أن يرفع يديه واقتاداه ثم وضعاه على الأرض قبل أن يسيرا به خارج غرفة النوم، هناك رأى ثلاثة من أبنائه محمد خان وقاسم ونسيم مكبلي الأيدي أيضا، لم يكن يدري ما الذي حدث وكانت الفكرة الوحيدة بذهنه قد عبّر عنها في شكل سؤال وهو يتطلع لأبنائه واحدا تلو الآخر قائلاً: “أين هو أحمد؟”.