بقلم : د. محمد طلعت سعيد
نقطة البداية هي أن الاقتصاد والبيئة متلازمان ، يؤثر كل منهما في الآخر ومن المهم أن نفهم العلاقة بينهما وأهمية الجانب الاقتصادي في البيئة ، فلقد شهدت الفترات الاخيرة اهتمام عالمي بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصديقة للبيئة بكل ما تشتمل عليه من تقنيات حديثة تزيل ما أتلفته الثورة الصناعية على كوكب الأرض و ما نتج عنها من تهديدات لكثير من الكائنات الحية، باعتبارها تستهلك أيضا كميات كبيرة من الطاقة، فهي مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويعد مصطلح تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء هو المصطلح الأكثر انتشارا ، بالرغم من ان تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تمثل نحو 2 % من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فقط، إلا إنها قد تساهم بشكل كبير فى التخفيف من آثار الـ 98 % المتبقية التي تسهم بها القطاعات الأخرى، كما يسعى هذا الاتجاه أيضا إلى حماية البيئة من المخرجات الضارة للتكنولوجيا من خلال استخدام الأساليب العلمية الصحيحة والآمنة للتخلص من النفايات الإلكترونية بما يحافظ على البيئة، بل ويساعد أيضا فى تحقيق منافع اقتصادية من خلال التوجه نحو إعادة تدوير المخلفات التكنولوجية بما يحقق ثروة للشركات العاملة فى هذا المجال وعالم أكثر اخضرارا هو ما تتسابق دول العالم فيه لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الموضوعة من قبل الأمم المتحدة بحلول عام 2030 ، لعل من أبرزها الهدف السابع والمتعلق بالاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة بأسعار معقولة والهدف الثالث عشر المتعلق بالتغير المناخي وتقليل مخاطر الاحتباس الحراري، بالإضافة لعدد آخر من الأهداف التى يمكن تحقيقها من خلال زيادة الاستثمار فى تقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الخضراء .
وفى هذا السياق ظهر مصطلح الاقتصاد الأخضر “Green Economy” ، الذي بدأ استخدامه منذ أعوام قليلة لم يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة ، ابتدعه برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام2008 م وتبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في يناير 2009 عندما أصدرت قرارها بعقد مؤتمر الأمم المتحدة للتنــمية المستدامة عام 2012 في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل ، وجعلت له عنوانا رئيسا هو الاقتصاد الأخضر ومنذ ذلك التاريخ حظي هذا الاصطلاح باهتمام فلم يعُّد الاقتصاد الأخضر بديلا عن التنمية المستدامة ، بل هناك علاقة طردية بينهما ،فهناك حقيقة مؤداها ان تحقيق الاستدامة المالية يرتكز بصورة أساسية علي اصلاح الاقتصاد وتحوله الي الاقتصاد الرقمي و لنضرب مثالا على تطبيقات التكنولوجيا الخضراء هو ما قامت به إحدى مؤسسات المعهد السويسري الفيدرالي للتكنولوجيا فى زيورخ، بتطوير نظام تقنى رائد يخزن حرارة الصيف تحت الأرض ليقوم في الشتاء بضخها لتدفئة المنازل….
و كأي برنامج عمل مستقبلي ، فإن نجاح الاقتصاد الأخضر مرهون بمدي الإخلاص والحرص في تنفيذه والالتزام النابع من القناعة بأهميته ، فهو طوق النجاة للدول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البيئة، ومن بين تلك الدول التي تولى الاقتصاد الأخضر أهمية كبرى مصر، والتي تنفذ مئات المشروعات في هذا المجال تنفيذا لرؤية مصر 2030 ومنها مشروع ربط السندات الخضراء بالاقتصاد الأخضر، من خلال تمويل مشروعاته، حيث أصدرت مصر أول سندات خضراء في المنطقة بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020، واحدا من بين 3 إصدارات للسندات الخضراء بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العام الماضي، وفق مؤسسة التصنيف ” ستاندرد أند بورز” العالمية، لكن العديد من الإصدارات الأخرى التى كان من المخطط طرحها، توقفت بسبب جائحة “كوفيد-19” وكذلك ظهر للنور مبادرات التعاون مع عدد من البنوك وشركات الإعلان لاستبدال المركبات القديمة بأخرى جديدة مع توفير تسهيلات في السداد ودعم من شركات الإعلان من خلال استخدام هذه المركبات فى حملاتها الإعلانية، كما أن اتجاه البعض من القطاع الخاص لبناء مدن خضراء يعنى أن جميع أنشطتها متوافقة بيئيا تماما، وهو الأمر الذى يلقى رواجا عند كثيرين للسكن في مثل هذه المدن مثلما هو الحال فى اتجاه البعض إلى شراء منتجات الزراعات العضوية القائمة على استخدام وسائل المقاومة البيولوجية والعزوف عن المنتجات الزراعية القائمة على استخدام المبيدات والمخصبات الزراعية وهو ما يدل علي ان مصر تسير في الاتجاه الصحيح في هذا المجال بل ومن المستهدف زيادة الاستثمارات العامة الموجهة للمشروعات الخضراء المصرية وبحسب تقديرات وزارة التخطيط من 15% في خطة العام الحالي (20/2021)، إلى 30% في خطة العام المالي (21/2022) وهو ما نأمل تحقيقه بإذن الله تعالي.