دعاء السيدة زينب على أهل العراق واحدًا من الأدعية التي لها قصة كبيرة، حيث إن السيدة زينب واحدة من أولياء الله الصالحين، التي ولدت في السنة السادسة من الهجرة وهي حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، وابنة سيدنا علي بن أبي طالب، وأخت الحسن والحسين، لذا فإنها كانت قدوة ومثال للمرأة المسلمة التي يحتذى بها، وسوف نتعرف على الدعاء الذي قالته على أهل العراق من خلال الواقع العربي.
دعاء السيدة زينب على أهل العراق
استشهد الحسين بن علي ورجال أهل بيته وكذلك أولاده وأصحابه في معركة كربلاء، تم إعلان عمر بن سعد لكي يكون القائد الأموي الخاص بجيش الكوفة على جيش حسين، الأمر الذي دفع الجنود نحو اقتحام كافة الخيم التي كانت مخصصة لكلًا من النساء والأطفال، بالإضافة إلى حرقها كاملةً، وأخذ الصبيان والنساء بمثابة سبايا إلى الكوفة (العراق) والتي كانت حينئذ مقرًا لعبيد الله بن زياد.
عندما اقتربوا من الكوفة وجدوا أهلها ينحون ويبكون عليهم، الأمر الذي جعل علي بن الحسين يقول لائمًا تنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن ذا الذي قتلنا؟ بالإضافة إلى أن السيدة زينب بنت علي أومأت في الناس وقامت بإلقاء خُطبة بليغة ومؤثرة جدًان وكانت تتضمن دعاء السيدة زينب على أهل العراق، وهي على النحو التالي:
قال بشير بن خزيم الأسدي:
ونظرت إلى زينب بنت علي عليه السلام يومئذ فلم أر خفرةً والله أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثم قالت: “الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار.
أما بعد، يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً، تتخذون إيمانكم دخلاً بينكم ألا، وهل فيكم إلا الصلف النطف، والصدر الشنف، وملق الإماء وغمز الأعداء، أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة.
ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون أي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتِكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدرة سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقاً.
فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دمٍ له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو كمِلئ السماء أفعَجبتم إن مطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم لبالمرصاد”.
اقرأ أيضًا: أسماء أولياء الله الصالحين في سوريا
دعاء السيدة زينب لأهل مصر
على الرغم من أن دعاء السيدة زينب على أهل العراق كان ما هو إلا إلقاء اللوم والذنب على أهل البلدة التي لم يتصدوا للأعداء وكانوا بمثابة الخونة، وعلى النقيض قامت السيدة زينب بالدعاء لأهل مصر لِما رأت منهم من أفعال طيبة وأخلاق حسنة، وذلك ما يُثبته القرآن الكريم والسُنة النبوية المطهرة لِما فيه تفضيل لمصر عن باقي البلاد.
من الجدير بالذكر أن السيدة زينب قامت باتخاذ مصر بمثابة منفى لها، وقامت بقول دعائها الشهير لأهل مصر قائلة:
“أهل مصر، نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا”
وتظل مصر محفوظة بدعواتها إلى الآن.
مكانة السيدة زينب لدى المصريين
قامت السيدة زينب بتقديم إذن بالنفي لمصر رغبةً منها في البقاء في البلد التي كان يحبها الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرها في العديد من الأحاديث النبوية المطهرة، ومن الجدير بالذكر أنها لم تندم يومًا على ذلك الاختيار، حيث رأت من المصريين ما لم تراه في أهل الكوفة أو في أهل أي بلد آخر.
ارتبط المصريون والزوار ارتباطًا كبيرًا بالسيدة زينب سواء أثناء حياتها، وحتى بعد وفاتها، فتحول القصر الذي وهبه لها والي مصر وقتها إلى قبرٌ أو ضريح يحمل رُفاتها كما يزعم البعض، ومن ثم تحول لمسجدًا يقصده الناس من جميع أنحاء العالم لكي يصبح بمثابة مقصدًا دينيًا وتاريخيًا هامًا.
من الجدير بالذكر أن سر حب المصريين الشديد للسيدة زينب ينبع من حبهم لجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأت ولي إلى مصر إلا وأشاد بمعاملة أهلها الحسنة التي لا يوجد مثلها في أي مكان آخر.
إن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب كانت تتصف بالعديد من الصفات والأخلاق الحميدة التي ساهمت في كسبها هذا القدر من الحب، ومن أبرزها التصرف بحكمة وعقل في جميع الأمور التي تتطلب ذلك، بالإضافة إلى الفهم والعلم، وعرفت باستجابة الدعاء لكونها من أولياء الله الصالحين.
اقرأ أيضًا: أسماء أولياء الله الصالحين في عمان
مكان دفن السيدة زينب
بعد أن تمكنا من التعرف على دعاء السيدة زينب على أهل العراق، يجدر بنا ذكر أن مدفن السيدة زينب واحدًا من الأشياء التي أثارت جدلًا كبيرًا، فيعتقد البعض إنها دُفنت في القصر الذي منحها إياه والي مصر وقت دخولها مصر، ولكن هناك بعض الأقوال التي تنفي ذلك الأمر.
هناك ضريحين يؤول كلًا منهما إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، أحدهما في الشام، والآخر في مصر، وهو ما يُثبت اعتزاز كلا البلدين بها، ولكن هل دُفنت في الشام أم مصر؟ هذا ما حاول المؤرخون معرفته، فالأشخاص الذين يرون أنها دُفنت في الشام استدلوا من ذلك على أنها هاجرت هي وزوجها عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما إلى الشام.
كانت تلك الواقعة أثناء المجاعة التي حدثت في المدينة المنورة، الأمر الذي جعلها أُصيب بالمرض، ومن ثم توفاها الله ودُفنت في الضريح الذي أقيم باسمها هناك، الضريح الموجود في مصر يزعم عدد كبير من الأشخاص أنه يحمل رُفاة السيدة زينب رضي الله عنها، نظرًا لاختيارها ذلك المكان الذي كان يفضله جدها النبي صلى الله عليه وسلم.
من الجدير بالذكر أن عدد كبير من العلماء والفقهاء نفوا تمامًا تواجد رُفاة السيدة زينب في الضريح الموجود لها في مصر، ومن بينهم ما ذكره الشيخ محمود المراكبي حول وجود قبر السيدة زينب في الضريح الموجود في القاهرة.
أوضح ذلك بشكل مفضل أكثر في كتاب بعنوان (القول الصريح عن حقيقة الضريح)، علاوة على ذلك أكد فتحي الحديدي على أن آخر الأحداث التي تناقلت عن السيدة زينب رضي الله عنها تشير إلى أن قام نعمان بن بشر بأمر من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بترحيل زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وكل من كان معها من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من الشام لبلاد الحجاز.
لذا فيمكننا القول إن الاحتمال الأكبر لمكان رُفاة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها على الأرجح في بلاد الحجاز، تحديدًا في المدينة المنورة.
كان دعاء السيدة زينب على أهل العراق أو الكوفة وقتها، و ما هو إلا حسرة وإلقاء اللوم على أهل البلد الذين لم يستطيعون أن يضحون من أجلهم أو مساندتهم في المعركة.