لا عجب فى هذا حينما نذكر قول الله عز وجل” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ … بالفعل بالامس القريب فى مقالاتى عن نقاط الالتقاء بين رواية “عنتر” ومسرحية “عطيل” أستطعت بفضل من الله أن أثبت لحضراتكم اثر الادب العربى على الادب العالمى واليوم سوف أثبت لكم بفضل الله عز وجل تاثر الادب العربى بالادب العالمى. وفى كلا التجربتين قد وفقنى الله وشددت انتباه المثقفين والمبدعين فشكرا لله ثم لمحبى وعشاق الأدب بصنوفه وجنسياته.
إن أول تغيير ذي شأن في شكل القصيدة العربية، إنما قام على يد الشاعرة والناقدة العراقية نازك الملائكة التي خرجت عن نهج الشكل الخليلي للقصيدة، وقد سبقها إلى التصرف في شكل القصيدة محاولات غير موفقة لم يقدر لها الاستمرار، وكانت أول قصيدة جنحت فيها نازك إلى مفارقة النهج الخليلي في شكل القصيدة هي قصيدة “الكوليرا” التي نظمتها سنة 1947م، وأطلقت على هذا الشكل الجديد مصطلح “الشعر الحر”، وفي الوقت عينه قال بدر شاكر السياب قصيدته (أزهار ذابلة) على غرار قصيدة نازك ثم أصدرت الشاعرة ديوانها “شظايا ورماد” الذي أثار عاصفة نقدية لدى ظهوره في سنة 1949م، ولكن هذا الشكل الجديد ما لبث أن استجابت له طائفة من شعراء العراق، فأصدر عبد الوهاب البياتي ديوانه “ملائكة وشياطين” على نمط شعر نازك وتبعه بدر شاكر السياب في ديوانه (أساطير) وتتابعت بعد ذلك دواوين عدة انتهجت سبيل نازك الملائكة.
وقد طرأ على النقد العربي الحديث هزة عنيفة بظهور الشاعر والناقد الأمريكي المولد توماس. س. إليوت T.S.Elliot (1888 – 1965) الذي تأثر بنظرات الشاعر والناقد الإنجليزي الشهير ماثيو أرنولد M.Arnnold ، فتبناها ثم طوّرها. وقد عرض نظراته النقدية في طائفة من مؤلفاته ثم طبقها في قصيدته المشهورة (الأرض اليباب) والذي يعنينا هنا من نظراته إنما هو اهتمامه بالتراث الأدبي العالمي وتضمين شعره ومقاطع من روائع التراث الغربي وهو يثبت هذه المقاطع بلغتها الأصلية، فاقتبس من إلياذة هوميروس ومن إنيادة فرجيل ومن جوته ودانتي الإيطالي في الكوميديا الإلهية ومن الشعر الرمزي الفرنسي، وشعر بودلير خاصة، وكانت ثقافته الواسعة معينة له في إيراد هذه المقتبسات. وإليوت هو الذي أوجد ما عرف في النقد بالمعادل الموضوعي، وذهب كذلك إلى دراسة النص الشعري بمعزل عن المؤثرات الخارجية من أي نوع كانت. وشعر إليوت يتسم بالغموض، ولكنه غموض العمق لا غموض البلاغة اللفظي والزينة، كما يتسم بالإفراط في العقلانية وغياب العلائق المنطقية، واستخدامه الصور بإفراط، ولكنها صور عسيرة على التصور
ويوجد مذاهب نقدية محدثة في تحليل النص الشعري والتي تبنّت منهجًا أحاديًّا في تحليله. ومنها المنهج النفسي والمنهج الاجتماعي والمنهج التفكيكي، والمنهج الرمزي وأقوى هذه المناهج أثرًا في النقد العربي الحديث هو المذهب الذي دعا إليه الشاعر والناقد ت.س. إليوت، والقائم على دراسة النص الشعري بمعزل عن العوامل الخارجية. وقد عاد اليوم معظم النقاد عن هذه المذاهب الأحادية النظرة واتجه معظم النقاد إلى دراسة النص الشعري دراسة تلمّ بجميع العوامل المؤثرة، وهذا النهج في الدراسة الشاملة أطلق عليه النهج التكاملي
وتحقيقًا لهذا المنهج في دراسة شعرنا القديم، يلاحظ أولاً أن دواوين شعرائنا القدامى قد وصلَنا الجانبُ الأكبر منها مرتبًا على حروف المعجم في القافية، فلم يرتب تاريخيًّا ولم تذكر المناسبة التي قيل فيها، باستثناء بعض الدواوين التي عني جامعوها أو أصحابها بذكر مناسبة كل قصيدة كديوان المتنبي وديوان المعرّي، ولكن هذا الشعر لم يرتب ترتيبًا تاريخيًّا، ومن هنا نجد صعوبة كبرى في النفاذ إلى دلالات النص ومعانيه وما يرد فيه من إشارات تاريخية أو دينية أو علمية أو غيرها، وبعض القصائد يتعذر فهم معانيها، ولذلك فإن تحليل هذه النصوص على الوجه الصحيح يقتضي تعرفنا العوامل الخارجية المؤثرة فيه قبل أن نتصدى لدراسة النص نفسه.
ونريد بالعوامل الخارجية تعرّف سيرة الشاعر وما مر به من أحداث في حياته كان لها صداها في شعره، ثم أن نقف على المناسبة التي قيل فيها النص لاستجلاء معانيه، وإلى جانب ذلك ينبغي معرفة الزمن الذي قيل فيه النص والبيئة المكانية، لأن النص الشعري غير معزول عن عصره وبيئته وعن طبيعة قائله ونفسيته، ودعونا نطلق على جملة هذه العوامل مصطلح (جو النص). وبعد أن نفرغ من هذا الجانب نتصدى لدراسة النص نفسه مستغلين شتى المذاهب النقدية التحليلية، فندرس بنية النص حروفًا وألفاظًا وتراكيب، وندرس الصور التي احتوى عليها النص دراسة فنية تستجلي ما فيها من مناحي الإبداع والتجديد والمقدرة الإيحائية مع بيان أثرها في نفس القارئ. فعنصر التصوير والخيال بنوعيه الجزئي والكلي هما قوام الشعر الحقيقي إضافة إلى عنصر الموسيقا والإيقاع، وقد نضطر إلى استخدام المناهج النفسية والاجتماعية والرمزية وغيرها في تحليل محتوى النص.
)** الشاعره نازك الملائكة( جزء من قصيدتها – الكوليرا
سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
** ومن التيار الانجليزى نعرض ل. Wordsworth, William
“I Travelled Among Unknown Men”
تنقلت بين شعوب غريبهْ
وطئت ترائب خلف البحار
فأيقنت إذ ذاك كم، يا حبيبهْ،
لأرضك أحملُ عشقاً ونار
لقد كان حلماً كئيباً فولّى
وعدت إليك مَشوقاً وبار
شواطيكِ لست أبارح، كلا
فحبك يكبر كل نهار
جبالكِ كم بينها قد شعرت
بمتعة رغبتي، بدفء الدثار
وتلك التي في هواها كبرتُ
أدارت لها مغزلاً قرب نار
نهارك يبدي وليلك يخفي
كروماً رعتني ولوسي صغار
وحقلاً أخيراً رأتْهُ ، يخبّي
بأرضكِ لوسي تحت الحجار
I travelled among unknown men
In lands beyond the sea;
Nor, England! did I know till then
What love I bore to thee.
‘Tis past, that melancholy dream!
Nor will I quit thy shore
A second time; for still I seem
To love thee more and more.
Among thy mountains did I feel
The joy of my desire;
And she I cherished turned her wheel
Beside an English fire.
Thy mornings showed, thy nights concealed,
The bowers where Lucy played;
And thine too is the last green field
That Lucy’s eyes surveyed.