بقلم : هبة فاروق
الخرافة والأسطورة هما المنبع لعالم القصص الشعبى، إذ حين تصطدم الأساطير بالأديان السماوية، والعلم الحديث ينشأ عالم الخيال الذى يكون له دور فى تشكيل الواقع بشكل ما ..
والقصص فى غالبه ينبع من منبع واحد، ويقوم على قاعدة واحدة هى الصراع بين الخير والشر، مع اختلاف الأحداث .
ولنأخذ مثالاً : فقد اكتشف عالمان هولنديان نسخة قديمة جدًا لقصة آدم وحواء منقوشة باللغة الأوغاريتية على لوحين من الطين وتعود إلى القرن الثالث عشر ما قبل الميلاد، وعُثر على اللوحين في سوريا عام 1929..
فى القصة يسود الإله “إل”، وهو الإله الأعلى (حسب الميثولوجيا الكنعانية) على “حقل كرمة الآلهة العظام”، الذي يقع على جبل أرارات في شرق تركيا اليوم، لكن سلطته هذه عارضها الإله الشرير حورون، سلف الشيطان، عندما عُوقب حورون بالطرد من الجبل سمّم “شجرة الحياة”. ثم يظهر آدم في القصة، وهو إله أُرسل إلى الأرض لوضع حورون عند حده، لكن نهاية مهمته كانت مأساوية، فقد حوّل حورون نفسه إلى ثعبان سام لدغ آدم، فخسر آدم طبيعته الخالدة .
وعزاء لما أصاب آدم، قدمت آلهة الشمس له “امرأة طيبة القلب”، وبالتالي يمكن أن تتكاثر البشرية، ويسترد آدم بعضاً من طبيعته الخالدة .
وبنظرة تحليلية إلى القصة نجد :
تقوم القصة على :
– فكرة تعدد الآلهة .
– كل أطراف القصة المذكورة فى الأديان السماوية موجودة بتغيير طبيعتهم إلى آلهة.
– الصراع بين الخير المتمثل فى آدم، والشر المتمثل فى حورون
– براءة آدم من الذنب ؛ فهو هنا ضحية .
– كذلك براءة حواء من غواية آدم ؛ فهى من طبيعة جيدة .
– الاتفاق مع الأديان فى سبب السقوط وهو البحث عن الخلود .
وإن انتقلنا إلى قصة آدم فى الأديان السماوية :
أولاً : فى العهد القديم من الكتاب المقدس :
مقتطفات من سفر التكوين عن خلق آدم (( (إصحاح1)27 فخلق الله الانسان على صورته.على صورة الله خلقه.ذكرًا وأنثى خلقهم.
(إصحاح2)8 وغرس الرب الاله جنة في عدن شرقًا.ووضع هناك آدم الذي جبله. 9 وأنبت الرب الاله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل.وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر. 15 وأخذ الرب الاله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. 16 وأوصى الرب الاله آدم قائلاً من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً. 17 وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها.لانك يوم تأكل منها موتا تموت. 20 فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية.وأما لنفسه فلم يجد معيناً نظيره. 21 فأوقع الرب الاله سباتاً على آدم فنام.فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحمًا. 22 وبنى الرب الاله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها الى آدم. 23 فقال آدم هذه الان عظم من عظامي ولحم من لحمي.هذه تدعى امرأة لانها من امرء أخذت. 25 وكانا كلاهما عريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان.
(إصحاح3) 1 وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الاله.فقالت للمرأة أحقاً قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة. 2 فقالت المرأة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل. 3 وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا. 4 فقالت الحية للمرآة لن تموتا. 5 بل الله عالم أنه يوم تاكلان منه تنفتح أعينكما وتكونان كالله عارفين الخير والشر. 6 فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وإنها بهجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر.فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل. 7 فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان.فخاطا أوراق تين وصنعا لانفسهما مأزر8 وسمعا صوت الرب الاله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار.فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الاله في وسط شجر الجنة. 9 فنادى الرب الاله آدم وقال له أين أنت. 10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لاني عريان فاختبأت. 11 فقال من أعلمك انك عريان.هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تاكل منها. 12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. 13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحية غرتني فأكلت. 14 فقال الرب الاله للحية لانك فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك. 15 وأضع عداوة بينك وبين المرآة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق رأسك وأنتِ تسحقين عقبه. 16 وقال للمرآة تكثيراً أُكثر أتعاب حبلك.بالوجع تلدين أولادًا.وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليكِ. 17 وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك.بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. 18 وشوكًا وحسكًا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. 19 بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود الى الأرض التي أخذت منها.لانك تراب وإلى تراب تعود 20 ودعا آدم اسم امرأته حواء لانها أم كل حي. 21 وصنع الرب الاله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما 22 وقال الرب الاله
هوذا الانسان قد صار كواحد منا عارفاً الخير والشر.والان لعله يمد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ويأكل ويحيا الى الأبد. 23 فأخرجه الرب الإله من جنة عدن ليعمل الأرض التي أُخذ منها. 24 فطرد الانسان ..))
وبنظرة تحليلية إلى النص التوراتى نجد :
– خلق الرب الإنسان على صورته، ومعلوم أن من سمات العهد القديم تجسيد الآله فى صورة البشر .
– خُلق آدم من تراب الأرض مما يوجب رجوعه إليها مرة أخرى.
– أقام آدم فى جنة الخلد.
– وصية الرب لآدم بعدم الأكل من الشجرة .
– تعليم آدم الأسماء .
– خلق حواء من ضلع آدم .
– وجودهما عريانان دون أن يعلما .
– الوسوسة عن طريق الحية، دون ذكر للشيطان .
– إتهام المرآة بأنها سبب الخطيئة .
– كشف السوءة بعد الأكل من الشجرة .
– الاختباء إستحياءً من الله .
– العقاب وسقوط الانسان، وهو المبدأ الذى يقوم عليه الدين المسيحى باعتبار أن الجريمة الأولى تستحق التكفير عنها بالموت وهو الفداء الأكبر بقتل المسيح على الصليب، لأنه قال “موتا تموت”
– عقاب حواء بآلام الولادة .
– عقاب آدم بالشقاء فى الأرض .
ويظهر التقارب بين القصة الشعبية والقصة التوراتية إلا فى :
اختلاف أدوار الشخصيات، وتبرئة آدم وحواء من الذنب، واختلاف سبب السقوط إذ هو البحث عن المعرفة وليس الخلود (إلا أن الرب أخرج آدم وحواء من الجنة حتى لا يقربا من شجرة الخلد) .
ثانياً : قصة آدم كما جاء ذكرها فى القرآن :
“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ ألَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ * فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ” البقرة (30-39)
“وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا” طه (115)
“وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى* ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ” طه (116-123)
“يَا بَنِي آدَمَ لَايَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ”الأعراف (27)
ودعونا ننظر نظرة تحليلية للنص القرآنى :
إذ يتضح من النص الآتى :
* خُلق آدم من تراب .
* فضله الله على الملائكة :
* بالعلم، حيث علمه أسماء كل شئ.
* جعله خليفة فى الأرض أى موكل بتطبيق شرع الله فى الأرض
* حُذر آدم من الشيطان باعتباره عدو له من قبل الوسوسة .
* كان آدم وحواء مستورا العورة من قبل الوسوسة ولم يكونا عريانين، يظهر ذلك فى قوله تعالى” إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ”
* خلق له حواء ليسكن إليها .
* كانت الوسوسة لهما معاً .
* هبوطهما إلى الأرض قدراً مقدراً، وما جعلت قصة آدم والوسوسة إلا سبباُ يعتبر منه بنى آدم، ليتأكدوا من عداوة الشيطان بتجربة عملية، فهو كما كان سبباً فى إخراج أبويهما من الجنة قد يكون سببًا فى دخولهم هم النار .
* الوسوسة كانت بأن طمعهما بالخلد، وجاءت نتيجة نسيان آدم لما حذره الله منه .
* غفر الله لهما قبل هبوطهما إلى الأرض، فلا تحمل الأجيال بعدهم الوزر .
ويتضح الفرق بين القصة الشعبية التى تقوم على: الخرافة، وتعدد الآلهة التى كانت سمة للناس فى هذه العصور .
والقصة التوراتية التى : تحمل الانسان الخطيئة التى لا يتبرأ منها إلا بالموت الذى وجدت له مخرجاً بالفداء الأعظم بجسد المسيح، والتى تحمل فيه المرأة القدر الأكبر من الوزر، وفيها كذلك تحميل الأجيال من بعد آدم الوزر الذى لم يرتكبوه .
والقصة القرآنية : تكرم آدم وتفضله عن الملائكة، وتظهر عداوة إبليس له وهى العداوة المستمرة إلى يوم القيامة، وتجعل فعل آدم نتيجة الطبيعة البشرية التى تسعى إلى الحياة الأبدية وإلى الملك، وكذلك إلى النسيان الذى لا يؤاخذ عليه الانسان، وتعتبر الهبوط إلى الأرض ليس نتيجة الذنب ولكن هو القدر الذى يتم بإذن الله كما أن له سبب يعقله الناس، كذلك الاسلام يقوم على أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، أى كل إنسان يتحمل عمله، لذلك لم ينتقل الذنب للأجيال بعد آدم، كما تظهر علاقة الرجل بالمرأة فهى سكن له وكذا يكون هو سكن لها .
ومما سبق يتضح أن الأسطورة ظهرت من تناقل الأخبار الصحيحة، ثم زاد فيها من زاد بما تحكم الحياة التى يحياها من أسلوب ومعتقد وفكر، فلما جاءت الأديان السماوية وسُجلت فى كتب ظهر التعارض بين القصص المنقولة بين الشعوب وبين الحقائق الدينية التى جعلتنا نرجع كل قصة متعارضة مع الثوابت الدينيه إلى الخيال الضخم الذى يملكه الانسان .