سادت الاستوديو حالة من الجلبة والحركة في كل الاتجاهات، المصورون يجهزون كاميراتهم ويوزعونها على كافة زوايا الاستوديو، فني الكهرباء يفحص مصابيح الإضاءة ويتأكد من جاهزيتها للعمل، مقدمة البرنامج ترش الاسبراي على شعرها المصبوغ باللون الأصفر الفاقع لتحافظ على هيئته المنتصبة خلال تصوير الحلقة، الكل مشغولون وعلى عجلة من امرهم . فجأة …يتوتر الجو وتغمر المكان حالة من الصمت والوجوم ، يدلف من باب الاستوديو ثلاثة من شباب الملحدين …يرحب المخرج ومقدمة البرنامج بالضيوف الملحدين بنوع من التقزز والفتور على عكس الحفاوة التي استقبلوا بها ضيف البرنامج الدائم الشيخ رمضان عبد ربه الذي اعتاد بعد نهاية كل حلقة ان يختم حواره مع المخرج بعبارة “- ان شاء الله تكون راضي عنا ياباشا “ بسرعة خاطفة يجيل المخرج نظره في كافة زوايا الاستوديو ثم يأمر الجميع بالصمت ، يرفع مكبر الصوت الصغير الى فمه ويصيح بعصبية : – ستاند باي …ثري…تو …وان…هوا. المذيعة: مساء الخير اعزائي المشاهدين ،النهاردة معانا ومعاكم ضيوف مختلفين ، ضيوف بيمثلوا ظاهرة شاذة وغريبة عن مجتمعنا المصري الاصيل المعروف بحبه للدين و التدين. في حركة مسرحية تلتف ناحية الضيوف وتبدأ في توجيه الأسئلة فيما اكتست ملامحها بابتسامة صفراء باهتة : المذيعة : ممكن اعرف الاسباب التي دفعتكم للالحاد؟ ملحد 1: ببساطة ، لا يوجد دليل علمي على وجود اله . المذيعة : ومن خلق الكون اذن؟ ملحد 2: العالم الشهير “ستيفن كنج ” اكد ان الكون جاء نتيجة لما يسمى ب “الانفجار الكبير”. بدا على المذيعة محاولة الانصات لشيء ما في السماعة الصغيرة المثبتة في اذنها اليمنى ، تقاطع الضيوف بنبرة استعلائية : – يبدو انك تقصد “ستيفن هوكنج ” ..لأن “ستيفن كنج” الذي ذكرته مؤلف روايات رعب. ملحد 3: يا أستاذة الأسماء لا تهم ، الأهم هو المضمون. ما ان سمع الشيخ ذلك حتي هاج وماج وجعل يلوح بيديه ممتعضا ، ثم صرخ فيهم قائلا: -لا حول ولا قوة الا بالله، الا تعلمون ان البعرة تدل على البعير والاثر يدل على المسير. ابتسم احد الملحدين ثم وجه حديثه للشيخ ساخرا : -يا مولانا قولنا كلام علمي نفهمه وبلاش الكلام القديم اللى زهقنا منه ده. فجأة وبدون مقدمات تنتفض المذيعة من مكانها وتصرخ بشكل هستيري كما لو ان عقربا قد لدغها : -اعوذ بالله، ايه الكلام ده ياكفرة ، انتوا اكيد مجانين ، اطلعوا بره الاستوديو …اتفوووه عليكم. يخرج الضيوف في حالة من الدهشة والذهول من موقف المذيعة المفاجئ ، تتلفت المذيعة يمينا ويسارا كأنما تبحث عن شيء ما ثم تخلع الميكروفون والسماعة وتهب واقفة ، تلمح المخرج في احدى زوايا الاستوديو فتعدل من هندامها وتشد البلوزة الجلدية السوداء على نهديها النافرين ، تخطو في اتجاهه بدلال انثوي مثير كما لو كانت عارضة أزياء تتهادى على “الكات ووك” في عرض مسائي في احدى الفنادق المطلة على النيل ، تنظر في عينيه وتهمس بابتسامة ماكرة : -هاه ، ايه رايك يا أستاذ ؟ ان شاء الله أكون عجبتك؟ يسحب نفسا عميقا من سيجاره الكوبي الفاخر وينفثه من جانب فمه بشكل مطول و يدمدم: – بالتأكيد حلقة هتكسر الدنيا … بالمناسبة .. انا وفيت بوعدي وعملتلك الحلقة زي ماطلبتي؟ امتى هتوفي بوعدك؟ ترفع حاجبها الايسر وتعض على شفتها السفلى ثم تصدر ضحكة خليعة : – لا يا حبيبي ، مش قبل ما أوقع عقد البرنامج الجديد!