يجتاز الشعب التونسي غدا /الأحد/ مرحلة رئيسية ومفصلية في سبيل تحقيق الاستقرار، حيث تنطلق الانتخابات التشريعية لتشكيل البرلمان، الذي يستمر للسنوات الخمس المقبلة،ثم الانطلاق في اتجاه الخطوة التالية بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد في 23 من شهر نوفمبر المقبل.
وتعد هذه الانتخابات هي مقدمة مرحلة الاستقرار في أعقاب الثورة التونسية ضد نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي التي نجحت في إزاحته عن السلطة ومغادرته البلاد.
وتأتي الانتخابات التشريعية في تونس المقرر إجراؤها يوم غد 26 أكتوبر 2014، والانتخابات الرئاسية المنتظر تنظيمها يوم 23 نوفبر 2014، لتضع الأسس الأولى للاستقرار الذي تنشده تونس منذ ثورة 14 يناير العام 2011.
وقد ثار جدل خلال الأشهر الأخيرة داخل الأوساط السياسية التونسية حول مسألة تزامن المسارين الانتخابيين (التشريعي والرئاسي) أو الفصل بينهما.
وحسم المشاركون في الحوار الوطني، الذي شاركت فيه الأحزاب الممثلة في المجلس الوطني التأسيسي، برعاية “الرباعي” الذي يضم كلا من الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للمحامين هذا الموضوع، في مرحلة أولى، باتفاق الأطراف المشاركة فيه على مبدأ الفصل.
لكن عاد الجدل حول تقديم أحدهما على الآخر ليحسم الحوار الوطني الجدل مرة أخرى بإقرار إجراء التشريعية قبل الرئاسية، على أن تتم الانتخابات في كل الأحوال قبل نهاية شهر ديسمبر 2014، احتراما لما جاء في نص الدستور الجديد.
ويبلغ عدد القوائم التي تتنافس في هذه الانتخابات التشريعية 1326 قائمة حزبية وائتلافية ومستقلة موزعة على 33 دائرة انتخابية منها 27 دائرة داخل البلاد، و6 دوائر في الخارج تتنافس على 217 مقعدا للبرلمان القادم، الذي سيحمل اسم “مجلس نواب الشعب”، وفقا لبنود الدستور التونسي الجديد.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المرشحين الإجمالي الذي تقدم لهذه الانتخابات بلغ 9340 مرشحا، منهم 8827 مرشحا داخل البلاد و513 خارجها، أي بمعدل 34 مرشحا لكل مقعد نيابي، وتظهر الأرقام أن القوائم الحزبية تمثل 90 حزبا من مجموع قرابة 190 حزبا معترف به، وعدد قليل منها فقط قدمت قوائم في جميع الدوائر الانتخابية الـ33.
ومن هذه الأحزاب المتنافسة (حركة النهضة، والتكتل، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، والحزب الجمهوري، وحركة وفاء، وحركة نداء تونس، والاتحاد الوطني الحر)، ومقابل ذلك فهناك 27 حزبا يشارك كل منها بقائمة واحدة، أما القوائم الائتلافية فتضم كلا من الجبهة الشعبية، و تيار المحبة، وحزب المبادرة، التي تقدمت بمرشحيها في كل الدوائر الانتخابية الـ33، وكذلك الاتحاد من أجل تونس، والجبهة الوطنية للإنقاذ.
وبنظرة سريعة إلى ما تحقق في تونس في سبيل الوصول إلى هذه المحطة المفصلية في تاريخ الشعب التونسي نتبين أن المراحل التي قطعتها تونس منذ إندلاع الثورة التونسية للوصول إلى حالة الاستقرار الذي ينتظر أن يتبلور من خلال إرساء مؤسسات “تونس الجديدة” أو “الجمهورية الثانية” بانتخاب برلمان جديد، اختير له اسم “مجلس نواب الشعب”، ورئيس جديد ينتخب مباشرة من الشعب، وحكومة جديدة تكون منبثقة عن إرادة شعبية تعكسها نتائج الانتخابات.
وقد سبقت هذه المرحلة التي تجتازها تونس غدا محطات عديدة في سبيل الانتقال إلى المسار الديمقراطي، إذ تخللتها أحداث وتقلبات مصدرها الأساسي الصراعات السياسية والتجاذبات الحزبية، وانعكس الصراع في أعمال عنف في بعض المحطات من أبرزها اغتيال قياديين حزبيين وعمليات إرهابية استشهد فيها عدد من عناصر الجيش ومن رجال الأمن الداخلي.
فبعد حكومتين انتقاليتين، باشرتا مهامها إثر ثورة 14 يناير 2011، اختار التونسيون من خلال الانتخابات التشريعية التي جرت يوم 23 أكتوبر 2011، نوابهم الـ217 في “المجلس الوطني التأسيسي”، الذي عهد إليه مهمة وضع البلاد على الطريق الجديد وذلك بانتخابه لـ”رئيس مؤقت” والموافقة على “حكومة مؤقتة” تتولى تسيير البلاد، كما تم لذلك الغرض وضع دستور جديد وإرساء مؤسسات دستورية جديدة والتمهيد لكل ذلك بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية تتوج هذا المسار الانتقالي.
ففي 26 يناير 2014، صادق المجلس الوطني التأسيسي على الدستور الجديد للجمهورية التونسية، وجاءت هذه المصادقة بعد 16 شهرا من العمل على مستوى اللجان والمداولات وحظي بموافقة أكثر من 200 نائب من مجموع الـ217 نائبا بالمجلس، كما صادق المجلس في مطلع مايو الماضي 2014 على القانون الانتخابي، الذي يتيح تنظيم انتخابات تشريعية ثم رئاسية قبل نهاية 2014 لمنح البلاد مؤسسات دائمة بعد أكثر من ثلاث سنوات على إندلاع الثورة.
وإلى جانب كل ذلك، انتخب المجلس مجموعة من الهيئات والمؤسسات الدستورية التي تم تكليفها بالعمل، كل في مجال اختصاصها، على سير العملية الانتقالية في أفضل الظروف، ومن بين هذه المؤسسات والهياكل “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات” المكلفة بضمان انتخابات ديمقراطية تعددية نزيهة وشفافة، و”الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري” التي يتمثل دورها المحوري في ضمان حرية الاتصال السمعي البصري وتعدديته،و”الهيئة الوقتية للقضاء العدلي” التي تتولى الإشراف على شؤون القضاء، و”هيئة الحقيقة والكرامة” التي ستتولى رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة مقترفيها وتعويض الضحايا من هذه الانتهاكات، منذ استقلال تونس.
كما تضم هذه المؤسسات “الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب”، التي تهدف إلى الدفاع عن الحرمة الجسدية وعن كرامة المحرومين من الحرية، و”الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد”، التي تعمل على إرساء قواعد الحوكمة الرشيدة من خلال مكافحة ظاهرتي الفساد والرشوة