أدانت دار الإفتاء المصرية ما قام به تنظيم “داعش” من تدمير للآثار والتماثيل التاريخية الآشورية بمتحف الموصل بمدينة نينوي بالعراق بدعوى أنها أصنام يجب تدميرها.
وأكدت دار الإفتاء – في بيان لها اليوم الجمعة – أن الآراء الشاذة التي اعتمد عليها “داعش” في هدم الآثار واهية ومضللة ولا تستند إلى أسانيد شرعية , خاصة أن هذه الآثار فى جميع البلدان التي فتحها المسلمون , كانت موجودة ولم يأمر الصحابة الكرام بهدمها أو حتى سمحوا بالاقتراب منها , وهم رضوان الله عليهم كانوا أقرب عهدا
من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا , بل كان منهم صحابة جاءوا إلى مصر إبان الفتح الإسلامي ووجدوا الأهرامات وأبو الهول وغيرها ولم يصدروا فتوى أو رأيشرعيا يمس هذه الآثار التي تعد قيمة تاريخية عظيمة.
وأضافت أن الآثار تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع والأمة , لأنها تعبر عن تاريخها وماضيها وقيمها , كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة
, وبالتالى فإن من تسول له نفسه ويتجرأ ويدعو للمساس بأثر تاريخي بحجة أن الإسلام يحرم وجود مثل هذه الأشياء في بلاده فإن ذلك يعكس توجهات متطرفة تنم عن جهل بالدين الإسلامي الحنيف.
وأوضحت دار الإفتاء إن الحفاظ على الكنوز الرائعة من الحصاد المادي للحضارة الإنسانية, التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة , أمر ضروري , مشددة على أن الحفاظ على هذا التراث ومشاهدته أمر مشروع ولا يحرمه الدين , بل شجع عليه وأمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم.
كما بينت دار الإفتاء المصرية – في معرض ردها علي هذه الفتاوي الشاذة التي استند إليها تنظيم “داعش” الإرهابي – أنه يوجد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تنهى عن هدم تراث الأسلاف مستشهدة بالآية الكريمة (ألم تر كيف فلربك بعاد (6) إرم ذات العماد (7) التي لم يخلق مثلها في البلاد (8) وثمود الذين جابوا الصخ بالواد), وهي الآية التي تؤكد علي ضرورة لفت الأنظار فيما تفوق فيه هؤلاء القوم , وذكرت الدار كذلك حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله الذي نهى فيه عن هدم آطام المدينة والمقصود بها الحصون.
وأشارت الى أنه عند دخول الإسلام حافظ على تراث الحضارات والآثار في مصر وبلاد الرافدين ومختلف الحضارات التي سبقت الإسلام وأبقوا على آثارها حتى وصلت إلينا كما تركوها وأن دعوات التدمير تشير إلى جهل أصحابها.
وردت دار الإفتاء على الآراء المتطرفة التي تدعي أن الإبقاء علي هذه الآثار محرم لأنها من ذرائع الشرك ويؤدي إلى أن يعتقد العوام بركة تلك الأماكن , حيث
أكدت أنها دعوي واهية ; لأن الشرع لم يمنع من مطلق تعظيم غير الله, وإنما يمنع منه ما كان على وجه عبادة المعظم كما كان يفعل أهل الجاهلية مع معبوداتهم
الباطلة فيعتقدون أنها آلهة , وأنها تضر وتنفع من دون الله , وأما ما سوى ذلك مما يدل على الاحترام فهو جائز.
وأضافت أن كون ذلك من ذرائع الشرك ; لأنه يؤدي إلى أن يعتقد العوام بركة تلك الأماكن كما يدعي المتطرفون, فهو مبني على خلل في مفهوم الشرك ; موضحة أن الشرك
هو تعظيمl مع الله أو تعظيم من دون الله; ولذلك كان سجود الملائكة لآدم – عليه السلام – إيمانا وتوحيدا , وكان سجود المشركين للأوثان كفرا وشركا , مع كون
المسجود له في الحالتين مخلوقا , لكن لما كان سجود الملائكة لآدم – عليه السلام – تعظيما لما عظمه الله كما أمر الله كان وسيلة مشروعة يستحق فاعلها
الثواب , ولما كان سجود المشركين للأصنام تعظيما كتعظيم الله كان شركا مذموما.
وطالبت دار الإفتاء جميع الدول والمنظمات المعنية باتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف أي اعتداء أو تدمير يطول التراث الثقافي أيا كان انتماؤه أو موقعه , مؤكدة على
ضرورة الالتزام والمحافظة على التراث الثقافي طبقا للمبادئ والسياسات المقررة بالمواثيق والمعاهدات الدولية والإسلامية.
كما طالبت الإفتاء علماء الدين وأئمة المساجد وقساوسة الكنائس أن يكونوا على قدر المسئولية لتوعيه الناس بضرورة الحفاظ على تراثهم الحضاري والتصدي للفتاوى الشاذة التي تدعو لهدم الآثار , مشددة على أهمية سن قوانين تحفظ سلامة التراث الحضاري, والتصدي لمن يقدم على تخريبها