الواقع العربى
تتأثر الأسواق العالمية بالتطورات في الصين حالياً، إذ إن تراجع النشاط الاقتصادي وعدم الاستقرار المالي عاملان يفاقمان المشكلة، لكن السبب الرئيس لتراجع السوق هو السياسة الصينية، التي تفتقد إلى الوضوح، إذ سنّ المُشرّعون قوانين جديدة في بورصة شنغهاي، ما جاء أحياناً بنتائج عكسية، واضطرهم إلى تطبيق إجراءات مضادة.
وأشار الخبير الاقتصادي في شركة «آسيا للاستثمار» كميل عقّاد، في تقرير، إلى أن «صنّاع السياسة لم ينجحوا في إيضاح خططهم المتعلّقة بالانتقال إلى ربط سعر صرف عملتهم بسلة من العملات بدلاً من الدولار، كما ليس واضحاً بعد كيف يحدّد سعر اليوان يومياً». وأَضاف: «لا يزال صنّاع السياسة يتدخلون في الأسواق، وبالتالي فإنّ لوائح الأحكام في بورصة شنغهاي وخفض قيمة اليوان ألحقا الضرر بثقة المستثمرين العالميين الذين يطالبون الجهات التنظيمية بتخفيف الرقابة، وبينما تظهر الصين تردداً بفتح أسواقها لأن التقلّب المحتمل يصاحب هذه الخطوة، فإن هذا التأجيل يعزز المخاوف المتعلّقة بالاستثمار في سوق غير شفافة وذات رقابة مشدّدة». ولفت التقرير إلى أن «أهمية دور الصين في الأسواق المالية العالمية بدأت تتزايد، لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ يساوي 15 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي مقارنة بنحو 10 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية».
وخفّف التقرير من وطأة التداعيات الاقتصادية للأسواق المالية، مؤكداً أنها ليست شديدة كما توحي السوق، إذ كان لتراجع سوق الأسهم الصينية تأثير محدود في الاقتصاد الحقيقي. وأشار إلى أن «15 في المئة فقط من الاستثمارات الصينية موزّعة إلى أسهم، مقارنة بأكثر من 40 في المئة موزّعة على الودائع، كما يدلّ غياب الترابط بين أداء الأسهم والمؤشرات الاقتصادية الأخرى مثل الناتج المحلي الإجمالي، ومبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي، على أن الأداء الاقتصادي لن يتأثر بموجات البيع السريع في السوق، وستكون لخفض قيمة العملة الصينية آثار سلبية محدودة على باقي قطاعات الاقتصاد، وللتحكم بخفض قيمة العملة، استخدمت الصين احتياطات أجنبية العام الماضي تزيد قيمتها عن 500 بليون دولار».
مع ذلك، ما زالت الصين تملك في خزائنها أكثر من 3 تريليونات دولار، ما يمنح صنّاع السياسة الوقت الكافي لوضع آلية سعر صرف أكثر شمولية، وهو السبب الرئيس للتدفقات، أما خفض العملة فيُتوقع أن يستمر خلال العام الحالي، ما يضرّ بالقوة الشرائية في البلاد، ويجعل السلع المستوردة أغلى، لكن دعم التضخم والصادرات سيحدّ من هذه التداعيات.
وأشار إلى «انتعاش الطلب المحلّي من الأُسَر، في حين وصل نمو مبيعات التجزئة إلى أدنى مستوياته في النصف الثاني العام الماضي، ما يجب أن يؤدي إلى ارتفاع نمو تصنيع السلع الاستهلاكية بقوة، أما الاستثمار في البنية التحتية فكان عبئاً على النمو الاقتصادي، ويتجلى ذلك في اتجاه الاستثمار في الأصول الثابتة، لا سيما قطاع العقار، لكن بالنظر إلى تعافي أسعار العقار وارتفاع مشاريع السكن الجديدة، قد تواجه الاستثمارات مصيراً مشابهاً خلال العام الحالي، فالسيولة تنمو بسرعة، وكذلك التمويل، الأمر الذي قد يسهل من التعافي الاقتصادي».
ويتوقع محللون أن يواصل النشاط الاقتصادي تباطؤه خلال العام الحالي، على رغم أن البيانات الاقتصادية تشير إلى مزيد من الاستقرار لاحقاً. واعتبر التقرير أن «التقلّب سيستمر في أسواق المال ليخيّم على مركز الصين الاقتصادي، لا سيما أن السياسة لا تزال تفتقر إلى الشفافية، لكن يُتوقع أن توضح السلطات آلية تحديد سعر الصرف». وقد تكون الأسهم الصينية محفوفة بالأخطار خلال العام الحالي، إلا أن النظرة المستقبلية الاقتصادية المستقرة تشير إلى أن الاستثمارات المباشرة في قطاعات معينة مثل العقار والتصنيع، قد تكون مجزية.